مِلكَ الواقفِ كانَ مُتيقَّنَ الثُّبوتِ، والمَعلومُ بالوَقفِ مِنْ شَرطِه عَدمُ البَيعِ ونَحوِه، فلْيُثبَتْ ذلكَ القَدرُ فقط ويَبقَى الباقي على ما كانَ حتى يَتحقَّقَ المُزيلُ، ولمْ يَتحقَّقْ، فإنَّ الذي في الحَديثِ في بَعضِ الرِّواياتِ:«تَصدَّقْ بأصلِه»، مع أنه ليسَ على ظاهِرِه، وإلا لَخرَجَ إلى مالكٍ آخَرَ، ثمَّ رَأيْنا غيرَه بيَّنَّه بقَولِه:«إنْ شِئتَ حَبسْتَ أصْلَها وتَصدَّقتَ بها» أي: بالثَّمرةِ أو الغلَّةِ، وظاهِرُه حَبسُها على ما كانَ، فلم يَخلُصْ دَليلٌ يُوجِبُ الخُروجَ عن المِلكِ، وكذا المَعنى الذي استَدلَّ به المُصنِّفُ وهو قولُه: ولأنَّ الحاجةَ مَاسَّةٌ إلى أنْ يَلزمَ الوَقفُ يُفيدُ لُزومَهُ لا غيرَ، والحاصِلُ أنه ثبَتَ قَولُه ﷺ لعُمرَ:«تَصدَّقْ» وقَولُه: «حَبِّسْ»، والمَفهومانِ مُختلِفانِ؛ لأنَّ مَعنى «تَصدَّقْ بأصلِها»: مَلِّكْهُ الفَقيرَ للهِ سُبحانَه، ومَعنى «حَبِّسْ»: احبِسْهُ، أيْ: على ما كانَ، ولا يُمكِنُ أنْ يُرادَ بهما إلا مَعنَى أحَدِهما، وإلا كانَ ﷺ مُجيبًا لعُمرَ ﵁ في حادِثةٍ واحِدةٍ بأمرَينِ مُتنافِيَينِ، فإما أنْ يُحمَلَ «حَبِّسْ» على مَعنَى «تَصدَّقْ»، والاتِّفاقُ على نَفيِه؛ إذ لا يَقولُ واحدٌ مِنْ الثلاثةِ بمِلكِ الفَقيرِ للعَينِ، فوجَبَ أنْ يُحمَلَ «تَصدَّقْ» على مَعنى «حَبِّسْ»(١).
وذهَبَ الشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الوَقفَ يَنتقلُ إلى مِلكِ المَوقوفِ عليهِ إذا كانَ آدَميًّا مُعيَّنًا أو مَحصورًا؛ لأنَّ الوَقفَ لا يُخرِجُ المَوقوفَ عن الماليةِ، ألَا تَرى أنه يُطعَنُ بالغَصبِ ويُثبِتُ عليهِ اليَدَ