مِلكِ المَوقوفِ عليه؛ لأنه لو دخَلَ في مِلكِه نفَذَ بَيعُه فيه كَسائرِ أملاكِه، فيَصيرُ مَحبوسًا على حُكمِ مِلكِ اللهِ تعالى على وَجهٍ يَصلُ نَفعُه إلى عِبادِه، فوجَبَ أنْ يَخرجَ عن مِلكِه ويَخلُصَ للهِ تعالى ويَصيرَ مُحرَّرًا عن التَّمليكِ؛ ليَستَديمَ نَفعُه ويَستمرَّ وَقفُه للعِبادِ، ولأنه إزالةُ مِلكِ عن الرَّقبةِ والمَنفعةِ على وَجهِ التقرُّبِ إلى اللهِ تعالى، فوجَبَ أنْ يَنتقلَ المِلكُ إليه كالعِتقِ، ومَنافعُ الوَقفِ مِلكٌ للمَوقوفِ عليه يَتصرَّفُ فيها تَصرُّفَ المُلَّاكِ، يَستوفيها بنفسِه وبغَيرِه بإعارَةٍ وإجارةٍ بالاتِّفاقِ؛ لأنَّ ذلكَ مَقصودُ الواقفِ (١).
وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابلةُ في قَولٍ وابنُ الهُمامِ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنه يَبقَى على مِلكِ الواقفِ؛ لقَولِه ﷺ لعُمرَ:«حَبِّسِ الأصلَ وسَبِّلِ الثَّمرةَ»، وهذا يَقتضِي تَبقيتَه على ما كانَ عليه، ولأنَّ المالِكَ تَصدَّقَ بالمَنافعِ وألزَمَ نفسَه ذلكَ، وليسَ في هذا إخراجُ الأصلِ عن مِلكِه كالعارِيةِ.
قالَ القاضي عَبدُ الوَهابِ ﵀: ودَليلُنا على أنه لا يَنتقلُ إلى المُوقَفِ عليهم ما ذكَرْناهُ مِنْ قَولِه: «حَبِّسِ الأصلَ وسَبِّلِ الثَّمرةَ»، ففيهِ دَليلانِ:
(١) «الهداية شرح البداية» (٣/ ١٣)، و «العناية» (٨/ ٣١٩، ٣٢١)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٢٠٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٩٧)، و «الاختيار» (٣/ ٤٩)، و «اللباب» (١/ ٦١٩)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ٥١٥)، و «المهذب» (١/ ٤٢٢)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٧٤)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٤٥)، و «الديباج» (٢/ ٥٢٩)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٥٠٤، ٥٠٥).