القِسمُ الثَّالثُ: ما عَدَا هَذَيْنِ القِسمَيْنِ: وهو ما يُمكِنُه عَملُه بنَفْسِه ولا يَترَفَّعُ عنه، فهَل يَجوزُ له التَّوكيلُ فيه؟ على رِوايَتَيْنِ:
إحدَاهُما: لا يَجوزُ، نقَلها ابنُ مَنصورٍ، وهو مَذهبُ أبي حَنيفةَ، وأبي يُوسفَ والشَّافِعيِّ؛ لأنَّه لَم يَأذَنْ له في التَّوكيلِ، ولا تَضمَّنه إذْنُه، فلَمْ يَجُزْ، كما لو نَهاه، ولأنَّه استِئمانٌ فيما يُمكِنُه النُّهوضُ فيه، فلَمْ يَكُنْ له أنْ يُوَليَه لمَن لَم يَأمَنْه عليه، كالوَدِيعةِ.
والأُخرَى: يَجوزُ، نقَلها حَنبَلٌ، وبِه قالَ ابنُ أبي لَيلَى، إذا مَرِضَ أو غابَ؛ لأنَّ الوَكيلَ له أنْ يَتصرَّفَ بنَفسِه، فمِلْكُه نِيابةٌ، كالمالِكِ والرَّأْيُ الأوَّلُ أوْلَى، ولا يُشبِهُ الوَكيلَ المالِكَ؛ فإنَّ المالِكَ يَتصرَّفُ بنَفْسِه في مِلْكِه كَيفَ شاءَ، بخِلافِ الوَكيلِ.
فَصلٌ: وَكُلُّ وَكيلٍ جازَ له التَّوكيلُ ليسَ له أنْ يُوكِّلَ إلَّا أمينًا؛ لأنَّه نَظَرٌ لِلمُوكِّلِ في تَوكيلِ مَنْ ليسَ بأمِينٍ، فيُقيَّدُ جَوازُ التَّوكيلِ بما فيه الحَظُّ والنَّظرُ، كما أنَّ الإذْنَ في البَيعِ يَتقيَّدُ بالبَيعِ بثَمَنِ المِثلِ، إلَّا أنْ يُعيِّنَ له المُوكِّلُ مَنْ يُوكِّلُه، فيَجوزُ تَوكيلُه، وإنْ لَم يَكُنْ أمينًا؛ لأنَّه قطَع نظَره بتَعيينِه، وإنْ وكَّل أمِينًا وصارَ خائِنًا فعليه عَزلُهُ؛ لأنَّ تَرْكَه يَتصرَّفُ مَع الخِيانةِ تَضييعٌ وتَفريطٌ، والوَكالةُ تَقتَضي استِئمانَ أمينٍ، وهذا ليسَ بأمينٍ، فوجَب عَزلُه.
فَصلٌ: والحُكم في الوَصِيِّ يُوكِّلُ فيما أُوصِيَ به إليه، وفي الحاكِمِ يُوَلَّى