الثَّانيةُ: أَذِنَ له في التَّوكيلِ، فيَجوزُ له ذلك؛ لأنَّه عَقدٌ أُذِنَ له فيه، فكانَ له فِعلُه، كالتَصرُّفِ المَأْذونِ فيه، ولا نَعلَمُ في هذه خِلافًا، وإنْ قالَ له: وَكَّلتُكَ فاصنَعْ ما شِئتَ، فله أنْ يُوكِّلَ، وقالَ أصحابُ الشَّافِعيِّ: ليسَ له التَّوكيلُ في أحَدِ الوَجهَيْنِ؛ لأنَّ التَّوكيلَ يَقتَضي تَصرُّفًا يَتوَلَّاه بنَفْسِه، وقَولُه: اصنَعْ ما شِئتَ، يَرجِعُ إلى ما يَقتَضيه التَّوكيلُ مِنْ تَصرُّفِه بنَفْسِه.
ولَنا: أنَّ لَفَظَه عامٌّ فيما شاءَ، فيَدخُلُ في عُمومِه كالتَّوكيلِ.
الثَّالثةُ: أطلَقَ الوَكالةَ، فلا يَخلو مِنْ أقسامٍ ثَلاثةٍ:
أحَدُها: أنْ يَكونَ العَملُ ممَّا يَرتَفِعُ الوَكيلُ عن مِثلِه، كالأعمالِ الدَّنيَّةِ في حَقِّ أشرافِ النَّاسِ المُتَرَفِّعينَ عن فِعلِها في العادةِ، أو يَعجِزُ عن عَملِه لِكَونِه لا يُحسِنُه، أو غيرِ ذلك؛ فإنَّه يَجوزُ له التَّوكيلُ فيهِ؛ لأنَّه إذا كانَ ممَّا لا يَعلَمُه الوَكيلُ عادةً انصَرَفَ الإذْنُ إلى ما جَرَتْ به العادةُ مِنْ الِاستِنابةِ فيه.
القِسمُ الثَّاني: أنْ يَكونَ ممَّا يَعمَلُه بنَفْسِه إلَّا أنَّه يَعجِزُ عن عَملِه كلِّه، لِكَثرَتِه وانتِشارِه، فيَجوزُ له التَّوكيلُ في عَملِه أيضًا؛ لأنَّ الوَكالةَ اقتَضَتْ جَوازَ التَّوكيلِ، فجازَ التَّوكيلُ في فِعلِ جَميعِه، كما لو كانَ إذْنُ التَّوكيلِ بلَفظِه.
وقالَ القاضي ﵀: عِندي أنَّه إنَّما له التَّوكيلُ فيما زادَ على ما يَتمَكَّنُ مِنْ عَملِه بنَفسِهِ؛ لأنَّ التَّوكيلَ إنَّما جازَ لِلحاجةِ، فاختَصَّ بما دَعَتْ إليه الحاجةُ، بخِلافِ وُجودِ إذْنِه؛ فإنَّه مُطلَقٌ، ولِأصحابِ الشَّافِعيِّ وَجهانِ كَهَذَيْنِ.