للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآخَرُ: أنَّ المُوكِّلَ يَسْكُنُ في عَملِه إلى أمانةِ وَكِيلِه، فلَمْ يَجُزْ أنْ يُوكِّلَ مَنْ لَم يَسْكُنِ المُوكِّلُ إلى أمانَتِه، كالوَديعةِ التي لا يَجوزُ لِلمُوكِّلِ أنْ يُودِعَها عندَ غيرِهِ؛ لأنَّ المالِكَ لَم يَرْضَ إلَّا بأمانَتِه، فأمَّا استِدلالُه بأنَّ هذا أقامَه مَقامَ نَفْسِه فلَعَمْرِي هو كَذلك في فِعلِ ما وُكِّلَ فيه، لا في غيرِه.

ألَا تَرَى أنَّه لا يَجوزُ أنْ يَهَبَ، ولا أنْ يُبْرِئَ، وإنْ كانَ لِلمُوكِّلِ أنْ يَهَبَ ويُبْرِئَ؛ لأنَّه لَم يَأذَنْ له فيه؟ فكَذلك في التَّوكيلِ.

وأمَّا الجَوابُ عن قَولهم بأنَّ الغَرَضَ حُصولُ العَملِ، فهو كَذلك، لكنْ قَدْ خصَّه وارتَضَى أمانَتَه، كَمَنِ استأجَرَ أجيرًا بعَينِه لِعَمَلٍ لَم يَكُنْ له أنْ يَستأجِرَ غيرَه في عَملِه؛ لأنَّ قَصدَ المُستأجِرِ إنَّما هو حُصولُ العَملِ مِنْ جِهةِ الأجيرِ، وفِعلُه لا يُفعَلُ غيرُه، كَذلك ههُنا (١).

وأمَّا الحَنابِلةُ فقالَ ابنُ قُدامةَ : وليسَ لِلوَكيلِ أنْ يُوكِّلَ فيما وُكِّلَ فيه إلَّا أنْ يُجعَلَ ذلك إليه.

ولا يَخلو التَّوكيلُ مِنْ حالاتٍ ثَلاثٍ:

الأُولى: أنْ يَنهَى المُوكِّلُ وَكيلَه عن التَّوكيلِ، فلا يَجوزُ له ذلك بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّ ما نَهاه عنه غيرُ دَاخِلٍ في إذْنِه، فلَمْ يَجُزْ، كما لو لَم يُوكِّلْه.


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٥١٨، ٢٥٠)، و «المهذب» (١/ ٣٥١)، و «البيان» (٦/ ٤١١، ٤١٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥٠٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٠٧)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٤، ٤٥)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٨، ٤٩)، و «حاشية قليوبي وعميرة على كنز الراغبين» (٢/ ٨٥٨، ٨٥٩)، و «الديباج» (٢/ ٣١٥، ٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>