بعَزلِ الأوَل، وإمَّا بعَزلِ الأوَل له، وإمَّا بعَزلِ المُوكِّلِ له. وعلى الوَجهِ الأوَل لا يَنعزِلُ إلَّا بعَزلِ المُوكِّلِ وَحدَه. وهذا إذا صرَّح المُوكِّلُ لِوَكيلِه بالتَّوكيلِ، فأمَّا إذا عَرَضَ له مِنْ غيرِ تَصريحٍ، كقولِه: قَدْ وَكَّلتُكَ وجَعَلتُ إلَيكَ أنْ تَعمَلَ برَأيِكَ، أو ما صَنَعتَ في ذلك مِنْ شَيءٍ فهو جائِزٌ، فهَل يَكونُ مُطلَقُ التَّفويضِ يَقتَضي جَوازَ التَّوكيلِ أو لا؟ على وَجهَيْنِ، حَكاهُما ابنُ سُرَيجٍ:
أحَدُهما: أنَّه يَقتَضيه، ويَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ فيه اعتِبارًا بعُمومِ التَّفويضِ.
والوَجهُ الآخَرُ: أنَّه لا يَقتَضيه، فلا يَجوزُ أنْ يُوكِّلَ غيرَه فيهِ؛ لأنَّ ظاهِرَ التَّفويضِ يَنصَرِفُ إلى فِعلِه، لا إلى فِعلِ غيرِه.
والحالُ الثَّالثةُ: أنْ تَكونَ الوَكالةُ مُطلَقةً لا يَأذَنُ له ولا يَنهاه عنه، فمَذهبُ الشَّافِعيِّ أنَّه لا يَجوزُ لِلوَكيلِ أنْ يُوكِّلَ.
وقالَ أبو حَنيفةَ: يَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ لِأمرَيْنِ: أحَدُهما: أنَّه لمَّا أقامَه فيه مَقامَ نَفْسِه جازَ له التَّوكيلُ فيه، كما يَجوزُ لِنَفْسِه.
والآخَرُ: أنَّ المَقصودَ بوَكالَتِه حُصولُ العَملِ الذي وُكِّلَ فيه، فلا فَرقَ بينَ أنْ يَتوَلَّاه بنَفْسِه، وبينَ أنْ يَستَعينَ فيه بغيرِه، لِحُصولِ العَملِ في الحالَتَيْنِ لِمُوكِّلِه.
وهذا خَطَأٌ مِنْ وَجهَيْنِ:
أحَدُهما: أنَّ فِعلَ الوَكيلِ مُقتَصِرٌ على ما تَضمَّنه الإذْنُ مِنْ غيرِ مُجاوَزةٍ في التَّوكيلِ.