للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرعٌ: قالَ صاحِبُ (التَّتمةِ) وغيرُه: لو كانَ في صَلاةٍ فأصابَه شَيءٌ جرَحَه وخرَجَ الدَّمُ يَدفُقُ ولم يُلوِّثِ البَشرةَ، أو كانَ التَّلويثُ قَليلًا بأنْ خرَجَ خُروجَ الفَصدِ لم تَبطُلْ صَلاتُه، واحتَجُّوا بحَديثِ جابِرٍ في الرَّجلَين اللذَين حَرَسا للنَّبيِّ فجُرحَ أحدُهما وهو يُصلِّي فاستمَرَّ في صَلاتِه ودِماؤُه تَسيلُ، وهو حَديثٌ سبَقَ بَيانُه في بابِ ما يَنقضُ الوُضوءَ، قالوا: ولأنَّ المُنفصلَ عن البَشرةِ لا يُضافُ إليه، وإنْ كانَ بعضُ الدَّمِ مُتصلًا ببَعضٍ، ولهذا لو صَبَّ الماءَ من إِبريقٍ على نَجاسةٍ واتَّصلَ طَرفُ الماءِ بالنَّجاسةِ لم يُحكَمْ بنَجاسةِ الماءِ الذي في الطَّريقِ، وإنْ كانَ بَعضُه مُتصلًا ببَعضٍ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: لا يُعفَى عن يَسيرِ نَجاسةٍ، ولو لم يُدرِكْها البَصرُ كالذي يَعلَقُ بأرجُلِ ذُبابٍ ونَحوِه؛ لعُمومِ قَولِه تَعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، وقَولِ ابنِ عُمرَ: أُمِرنا أنْ نَغسلَ الأَنجاسَ سَبعًا، ولغيرِ ذلك من الأدِلةِ، إلا يَسيرَ دَمٍ وما توَلَّد منه من قَيحٍ وغيرِه كصَديدِ يَدٍ وماءِ قُروحٍ فيُعفَى عن ذلك في غيرِ مائِعٍ ومَطعومٍ، أي: يُعفَى عنه في الصَّلاةِ؛ لأنَّ الإِنسانَ غالِبًا لا يَسلمُ منه، وهو قَولُ جَماعةٍ من الصَّحابةِ والتابِعينَ ومَن بعدَهم، ولأنَّه يَشقُّ التَّحرُّزُ منه فعُفيَ عن يَسيرِه كأثَرِ الاستِجمارِ، وأمَّا المائِعُ والمَطعومُ فلا يُعفَى فيه عن شَيءٍ من ذلك، (وقَدرُه) أي قَدرُ اليَسيرِ المَعفوِّ عنه هو الذي لم يَنقضِ الوُضوءَ، أي: ما لم يَفحُشْ في النَّفسِ، والمَعفوُّ عنه من القَيحِ ونَحوِه أكثَرُ


(١) «المجموع» (٣/ ١٣٩، ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>