إذا وكَّله في إجارةِ شَيءٍ فباعَه؛ فإنَّه لا يَملِكُ بَيعَه، ولأنَّ كلَّ مَنْ لَم يَملِكِ التَصرُّفَ على الوَجْهِ الذي أَذِنَ له فيه، لَم يَمْلِكْه على غيرِه، أصْلُه إذا وكَّله في أنْ يُزوِّجَه ذاتَ مَحرَمٍ، ولأنَّ الوَكيلَ نائِبٌ عن المُوكِّلِ فيما كانَ له أنْ يَفعَلَه، وقَد ثَبَتَ أنَّ المُوكِّلَ لَم يَكُنْ له بَيعُ سِلعَتِه بما وكَّله فيه، فكانَ الوَكيلُ لا يَجوزُ له ذلك بالأَوْلَى، ولأنَّ المُوكِّلَ أَذِنَ له في مُحرَّمٍ، فلَمْ يَملِكِ الحَلالَ بهذا الإذْنِ، كما لو أَذِنَ في شِراءِ خَمرٍ وخِنزيرٍ، لَم يَملِكْ شِراءَ الخَيلِ والغَنَمِ.
ولأنَّ أمْرَه بالعَقدِ لا يُزيلُ مِلْكَه بالعَقدِ نَفْسِه، فكانَ كالمأْمورِ بالهِبةِ إذا باعَ، أو لأنَّه أمَرَه ببَيعٍ لا يَنقَطِعُ به حَقُّ المُوكِّلِ في الِاستِردادِ، أو أمَرَه ببَيعٍ يَكونُ المَبيعُ فيه مَضمونًا بالقِيمةِ على المُشتَرِي إذا قَبَضَه، فكانَ كالمأْمورِ، بشَرْطِ الخِيارِ لِلآمِرِ إذا باعَه بغيرِ خِيارٍ.
ولأنَّ البَيعَ الفاسِدَ بَيعٌ لا يُفيدُ الحُكمَ بنَفْسِه، والبَيعَ الصَّحيحَ يُفيدُ الحُكمَ بنَفْسِه، فكانا مُختَلِفَيْنِ، فلا يَكونُ التَّوكيلُ بأحَدِهِما تَوكيلًا بالآخَرِ؛ فإذا باعَ بَيعًا صَحيحًا صارَ مُخالِفًا (١).
(١) «المبسوط» (١٩/ ٥٦)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٩)، و «الإشراف» (٣/ ٨٣، ٨٤٨٤) رقم (٩٤٤)، و «المهذب» (١/ ٣٥٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥١٧)، و «المنثور» (١١٣)، و «أسنى المطالب» (٢/ ٢٧٤)، و «المغني» (٥/ ٧٦)، و «الكافي» (٢/ ٢٤٤)، و «المبدع» (٤/ ٣٧٧)، و «الإنصاف» (٥/ ٣٩٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٦٢)، و «الروض المربع» (٢/ ٦٥)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٤٤٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٠٨).