للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ النَّوويُّ : وأصَحُّ الطُّرقِ أنَّه يُعفَى عنه … وهذه العِبارةُ التي ذكَرَها المُصنفُ تَقتَضي أنَّ وَنيمَ الذُّبابِ لا يُعفَى عنه بلا خِلافٍ، إذا أدرَكَه الطَّرفُ، وقد ذكَرَ البَغويُّ وغيرُه أنَّه له حُكمُ دَمِ البَراغيثِ؛ لأنَّه تَعمُّ به البَلوى ويَشقُّ الاحتِرازُ منه، والصَّحيحُ أنَّه كدَمِ البَراغيثِ.

قالَ الشِّيرازيُّ : وأمَّا الدِّماءُ فيُنظرُ فيها؛ فإنْ كانَ دَمُ القَملِ والبَراغيثِ وما أشبَهَها فإنَّه يُعفَى عن قَليلِه؛ لأنَّه يَشقُّ الاحتِرازُ منه، فلو لم يُعفَ عنه شَقَّ وضاقَ، وقد قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ وفي كَثيرِه وَجهان، قالَ أبو سَعيدٍ الإصطَخريُّ: لا يُعفَى عنه؛ لأنَّه نادِرٌ لا يَشقُّ غَسلُه، وقالَ غيرُه: يُعفَى عنه، وهو الأصَحُّ؛ لأنَّ هذا الجِنسَ يَشقُّ الاحتِرازُ منه في الغالِبِ، فأُلحقَ نادِرُه بغالِبِه، وإنْ كانَ الدَّمُ دَمَ غيرِهما من الحَيواناتِ ففيه ثَلاثةُ أَقوالٍ، قالَ في «الأُمِّ»: يُعفَى عن قَليلِه، وهو القَدرُ الذي يَتعافاه الناسُ في العادةِ؛ لأنَّ الإِنسانَ لا يخَلو من بَثرةٍ وحَكةٍ يَخرجُ منها هذا القَدرُ فعُفيَ عنه، وقالَ في «الإملاء»: لا يُعفى عن قَليلِه ولا عن كَثيرِه؛ لأنَّه نَجاسةٌ لا يَشقُّ الاحتِرازُ منها، فلم يُعفَ عنها كالبَولِ، وقالَ في القَديمِ: يُعفَى عمَّا دونَ الكَفِّ ولا يُعفى عن الكَفِّ، والأولُ أصَحُّ.

قالَ النَّوويُّ: أمَّا دَمُ ما له نَفسٌ سائِلةٌ من آدَميٍّ وسائِرِ الحَيواناتِ ففيه الأَقوالُ الثَّلاثةُ التي ذكَرَها المُصنفُ، وهي مَشهورةٌ، أصَحُّها بالاتِّفاقِ قَولُه في «الأُم»: إنَّه يُعفَى عن قَليلِه، وهو القَدرُ الذي يَتعافاه الناسُ في العادةِ، يَعني يَعدُّونَه عَفوًا، قالَ الأزهَريُّ: يَعدُّونَه عَفوًا قد عُفيَ لهم عنه، ولم يُكلَّفوا بإِزالتِه للمَشقةِ في التَّحفُّظِ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>