للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاستِقصاءَ لِمُوكِّلِه، وإذا كانَ هو المُشتَرِيَ انصَرَفَ إلى الِاستِقصاءُ لِنَفْسِه.

وقالَ ابنُ سُرَيجٍ : يَجوزُ ذلك، كما يَجوزُ أنْ يَجعَلَ إلى زَوجَتِه الطَّلاقَ لِنَفْسِها، أو إلى أَمَتِه عِتْقَها، وهذا خَطَأٌ؛ لِمَا ذَكَرْنا مِنْ الفَرقِ بينَ البَيعِ والطَّلاقِ والعِتقِ في ثَلاثةِ أوْجُهٍ:

أحَدُهما: أنَّ في البَيعِ ثَمَنًا يَختلِفُ بالزِّيادةِ والنُّقصانِ، فصارَ بالمَيْلِ إلى نَفْسِه مُتهَوِّمًا فيه، وليسَ في الطَّلاقِ والعِتقِ ثَمَنٌ تَصيرُ بالمَيلِ إلى نَفْسِها مُتهَوِّمةً فيه.

والثَّاني: أنَّ العِتقَ والطَّلاقَ أوسَعُ، لِوُقوعِها بالصِّفاتِ، وتَعليقُها على الغَرَرِ والجَهالاتِ والبَيعِ أضيَقُ حُكمًا مِنه.

والثَّالثُ: أنَّه ليسَ في الطَّلاقِ والعِتقِ قَبولٌ مُعتبَرٌ، وفي البَيعِ قَبولٌ مُعتبَرٌ؛ فلَمْ يَجُزْ أنْ يَكونَ الباذِلُ قابِلًا، فأمَّا إذا وكَّله في بَيعِ عَبدِه ووكَّله الآخَرُ في شِراءِ العَبدِ المُوكَّلِ في بَيعِه، لَم يَجُزْ؛ لِتَنافِي المَقصودِ في العَقدَيْنِ. وكانَ له أنْ يُقيمَ على إحدَى الوَكالتَيْنِ. فإن أرادَ أنْ يُقيمَ على أسبَقِهِما في بَيعٍ أو شِراءٍ جازَ، وإن أرادَ أنْ يُقيمَ على الثَّانيةِ مِنهُما كانَ بَيعًا أو شِراءً، احتمَلَ وَجهَيْنِ: أحَدُهما: لا يَصحُّ؛ لأنَّ شَرطَ الأُولَى يَمنَعُ مِنْ جَوازِ الثَّانيةِ. والوَجهُ الآخَرُ: يَجوزُ؛ لأنَّ الوَكالةَ لا تَلزَمُ، فلَمْ يَكُنْ لِلمُتقدِّمةِ مِنهُما تَأثيرٌ، وتَبطُلُ بقَبولِ الثانيةِ (١).


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٥٣٦، ٥٣٨)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥٠٢، ٥٠٣)، و «البيان» (٦/ ٤٢٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٠٥)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٠)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٥)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٨٥٦)، و «الديباج» (٢/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>