للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: لا يَجوزُ لِلوَكيلِ في بَيعٍ وُكِّلَ فيه أنْ يَبيعَ لِنَفْسِهِ؛ لأنَّ العُرفَ في البَيعِ بَيعُ الرَّجلِ مِنْ غيرِه، فحُمِلَتِ الوَكالةُ عليه، فلَمْ يَجُزْ، كما لو نَهاه.

وكذا لا يَصحُّ شِراؤُه مِنْ نَفْسِه لِشَيءٍ وُكِّلَ في شِرائِه فاشتَراه مِنْ نَفْسِه لِمُوكِّلِه؛ لأنَّه خِلافُ العُرفِ في ذلك، وكما لو صرَّح له فقالَ: بِعْه أوِ اشتَرِه مِنْ غيرِكَ، ولِلُحوقِ التُّهمةِ له بذلك.

ولو زادَ الوَكيلُ في البَيعِ على مَبلَغِ ثَمَنِه في النِّداءِ، أو وكَّل مَنْ يَبيعُ -حيثُ جازَ- وكانَ هو أحَدَ المُشتَرِينَ، فلا يَصحُّ البَيعُ؛ لِمَا تَقدَّم مِنْ أنَّ العُرفَ بَيْعُه لِغيرِه، فتُحمَلُ الوَكالةُ عليه، إلَّا بإذْنِه، بأنْ أَذِنَ له في البَيعِ مِنْ نَفسِه، أوِ الشِّراءِ مِنها، فيَجوزُ؛ لِانتِفاءِ التُّهمةِ، كما لو وكَّل المَرأةَ في طَلاقِ نَفْسِها، ولأنَّ عِلَّةَ المَنعِ هي مِنْ المُشتَرِي لِنَفْسِه في مَحَلٍّ لِاتِّفاقِ التُّهمةِ لِدَلالَتِها على عَدمِ رِضَا المُوكِّلِ بهذا التَصرُّفِ، وإخراجِ هذا التَصرُّفِ عن عُمومِ لَفْظِه وإذْنِه، وقَد صرَّح ههُنا بالإذْنِ فيها، فلا تَبقَى دِلالةُ الحالِ مَع نَصِّه بلَفْظِه على خِلافِه.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وقَولُهم: إنَّه يَتضادُّ مَقصودُه في البَيعِ والشِّراءِ.

قُلْنا: إنْ عيَّن المُوكِّلُ له الثَّمنَ، فاشترَى به، فقَد زالَ مَقصودُ الِاستِقصاءِ، وأنَّه لا يُرادُ أكثَرُ ممَّا قَدْ حصَل، وإنْ لَم يُعيِّنْ له الثَّمنَ تَقيَّدَ البَيعُ بثَمَنِ المِثلِ، كما لو باعَ الأجنَبيُّ (١).


(١) «المغني» (٥/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>