الِابتِلاءِ والِاختِبارِ؛ فلِذا لَم تَجُزِ النِّيابةُ في البَدنيَّةِ؛ لأنَّ فِعلَ غيرِه لا يَتحقَّقُ به الِاشتِقاقُ على نَفْسِه بمُخالَفةِ هَواها بالصَّبرِ عليه، وأمَّا الماليَّةُ فما فيه المَشقَّةُ هو تَنقيصُ المالِ بإخراجِه، لَم تَجُزْ فيه النِّيابةُ، ولا يَقومُ به غيرُه؛ إذْ لا بدَّ مِنْ إذْنِه، والواقِعُ مِنْ النَّائِبِ ليسَ إلَّا المُناوَلةَ لِلفَقيرِ، وبِه يَحصُلُ المَقصودُ الآخَرُ الذي هو مِنْ حيثُ هو لا مَشقَّةَ به على المالِكِ.
وَعلى هذا كانَ مُقتَضَى القياسِ ألَّا تَجريَ النِّيابةُ في الحَجِّ؛ لِتَضَمُّنِه المَشقَّتَيْنِ البَدنيَّةِ والمالِيَّةِ، والأُولَى لَم تَقُمْ بالآمِرِ، لكنَّه تَعالى رَخَّصَ في إسقاطِه، بتَحَمُّلِ المَشقَّةِ الأُخرَى، أعني إخراجَ المالِ عندَ العَجزِ المُستَمِرِّ إلى المَوتِ، رَحمةً وفَضلًا، وذلك بأنْ يَدفعَ نَفَقةَ الحَجِّ إلى مَنْ يَحُجُّ عنه، بخِلافِ حالِ القُدرةِ؛ فإنَّه لَم يَعذُرْهُ؛ لأنَّ تَرْكَه فيها ليسَ إلَّا لِمُجَرَّدِ إيثارِ راحةِ نَفْسِه على أمْرِ رَبِّه، وهو بهذا يَستحقُّ العِقابَ، لا التَّخفيفَ في طَريقِ الإسقاطِ، وإنَّما شَرطُ دَوامِه إلى المَوتِ؛ لأنَّ الحَجَّ فَرضُ العُمرِ، فحيثُ تَعلَّق به خِطابُه، لِقيامِ الشُّروطِ، وجَب عليه أنْ يَقومَ هو بنَفْسِه في أوَل أعوامِ الإمكانِ؛ فإذا لَم يَفعَلْ أثِمَ، وتَقرَّر القيامُ بها بنَفْسِه في ذِمَّتِه في مُدَّةِ عُمُرِه، وإنْ كانَ غيرَ مُتَّصِفٍ بالشُّروطِ؛ فإذا عَجزَ عن ذلك بعَينِه، وهو أنْ يَعجِزَ عنه في مُدَّةِ عُمُرِه، رُخِّصَ له في الِاستِنابةِ؛ رَحمةً وفَضلًا مِنه، فحيثُ قَدَرَ عليه وَقتًا ما مِنْ عُمُرِه بعدَما استَنابَ فيه لِعَجزٍ لَحِقَه، ظهَر انتِفاءُ شَرطِ الرُّخصةِ؛ فلِذا لو حَجَّ عنه غيرُه لِمَرَضٍ يُرجَى زَوالُه أوْ لَا، أو كانَ مَحبوسًا، كانَ أمْرُه مُراعًى إنِ استَمَرَّ بذلك المانِعِ حتى ماتَ، ظهَر أنَّه وقَع مُجزئًا، وإنْ عُوفِيَ