للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَحجوجِ عنه؛ لِلأحاديثِ السَّابِقةِ؛ فإنَّها تَدُلُّ على أنَّ الحَجَّ نَفسَه يَقَعُ عنه، وعَن مُحمَّدٍ أنَّ الحَجَّ يَقَعُ عن الحاجِّ، ولِلآمِرِ ثَوابُ النَّفَقةِ؛ لأنَّ الحَجَّ عِبادةٌ بَدنيَّةٌ، ولأنَّ المالَ شَرطٌ لِلوُجوبِ؛ لِكَونِه عاجِزًا بدُونِه، فلا تَجري فيها النِّيابةُ كالصَّلاةِ والصَّومِ، بَلْ يُقامُ الإنفاقُ مَقامَ فِعلِه الحَجَّ بنَفْسِه، كالفِديةِ في حَقِّ الشَّيخِ الفاني، أُقيمَ مَقامَ الصَّومِ، والصَّحيحُ الأوَّلُ، ولِهذا لا يَسقُطُ به الفَرضُ عن المأْمورِ، وهو الحاجُّ (١).

قالَ ابنُ الهُمامِ : المَقصودُ الأصلِيُّ مِنْ التَّكاليفِ الِابتِلاءُ؛ لِيَظهَرَ مِنْ المُكَلَّفِ ما سبَق العِلمُ الأزَليُّ بوُقوعِه مِنه مِنْ الِامتِثالِ بالصَّبرِ على ما أُمِرَ به، تارِكًا هَوَى نَفْسِه لِإقامةِ أمْرِ رَبِّه ، فيُثابَ، أو مِنْ المُخالَفةِ فيُعفَى عنه، أو يُعاقَبَ، فتحقَّقَ بذلك آثارُ صِفاتِه تَعالى؛ فإنَّه تَعالى اقتَضَتْ حِكمَتُه الباهِرةُ وكمالُ فَضلِه وإحسانِه ألَّا يُعَذِّبَ بما علِم أنَّه سَيَقَعُ مِنْ المُخالَفةِ قبلَ ظُهورِه عن اختِيارِ المُكَلَّفِ.

ثم مِنْ التَّكاليفِ العِباداتُ، وهي بَدنيَّةٌ وماليَّةٌ ومُركَّبةٌ مِنهُما، والمَشقَّةُ في البَدنيَّةِ تُقيِّدُ الجَوارِحَ والنَّفْسَ بالأفعالِ المَخصوصةِ في مَقامِ الخِدمةِ، وفي المالِيَّةِ في تَنقيصِ المالِ المَحبوبِ لِلنَّفسِ، وفيها مَقصودٌ آخَرُ، وهو سَدُّ حاجةِ المُحتاجِ، والمَشقَّةُ فيها ليسَتْ به، بَلِ التَّنقيصُ، فكلُّ ما تَضمَّن المَشقَّةَ لا يَخرُجُ عن عُهدَتِه إلَّا بفِعلِه بنَفْسِه؛ إذْ بذلك يَتحقَّقُ مَقصودُ


(١) «الهداية شرح البداية» (١/ ١٨٣)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ٨٥، ٨٦)، و «ابن عابدين» (٢/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>