للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَدِهِ؟»، قالَ: نَعم، قالَ: «أرَأيتَ لو كانَ على أبيكَ دَيْنٌ فقَضَيتَه عَنه، أكانَ ذلك يُجزِئُ عَنهُ؟»، قالَ: نَعم، قالَ: «فاحجُجْ عَنهُ» (١).

قالَ الحَنفيَّةُ: العِباداتُ أنواعٌ مالِيَّةٌ مَحضةٌ، كالزَّكاةِ، وبَدنيَّةٌ مَحضةٌ، كالصَّلاةِ والصَّومِ، ومُرَكَّبةٌ مِنهُما، كالحَجِّ، والنِّيابةُ تُجزِئُ في العِبادةِ المالِيَّةِ عندَ العَجزِ والقُدرةِ؛ لأنَّ المَقصودَ فيها سَدُّ حاجةِ المُحتاجِ، وذلك يَحصُلُ بفِعلِ النَّائِبِ، كما يَحصُلُ بفِعلِه، ويَحصُلُ به تَحَمُّلُ المَشقَّةِ بإخراجِ المالِ، كما يَحصُلُ بفِعلِ نَفْسِه، فيَتحقَّقُ معنَى الِابتِلاءِ، فيَستَوي فيه الحالَتانِ.

ولا تُجْزِئُ النِّيابةُ في العِبادةِ البَدنيَّةِ بحالٍ مِنْ الأحوالِ؛ لأنَّ المَقصودَ فيها إتْعابُ النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ طَلَبًا لِمَرضاتِه تَعالى، وذلك لا يَحصُلُ بفِعلِ النَّائِبِ أصلًا، فلا تُجزيُ فيها النِّيابةُ؛ لِعدمِ الفائِدةِ.

وفي المُرَكَّبِ مِنْ المالِ والبَدَنِ، كالحَجِّ، تُجزِئُ النِّيابةُ عندَ العَجزِ؛ لِحُصولِ المَشقَّةِ بدَفعِ المالِ، ولا تُجزِئُ عندَ القُدرةِ؛ لِعدمِ إتعابِ النَّفْسِ؛ عَملًا بالشَّبَهَيْنِ بالقَدْرِ المُمكِنِ.

وَإنَّما شَرطُ عَجزِ المَنوبِ يَكونُ لِلحَجِّ الفَرضِ، لا لِلنَّفلِ؛ لأنَّه في الحَجِّ النَّفلِ تَجوزُ الإنابةُ مَع القُدرةِ؛ لأنَّ بابَ النَّفلِ أوسَعُ، ألَا تَرَى أنَّه يَجوزُ التَّنَفُّلُ في الصَّلاةِ قاعِدًا وراكِبًا مَع القُدرةِ على القيامِ والنُّزولِ.

ثم الصَّحيحُ مِنْ المَذهبِ فيمَن حَجَّ عن غيرِه أنَّ أصْلَ الحَجِّ يَقَعُ عن


(١) رواه الإمام أحمد (٤/ ٥)، والدارمي في «سننه» (١٨٣٩). قال الحافظ: إسناده صالح. يُنظر: «نيل الأوطار» (٥/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>