للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا وكَّل الواهِبُ بالتَّسليمِ والمَوهوبُ بالقَبضِ، وقامَا جَميعًا فامتَنَعَ وَكِيلُ الواهِبِ مِنْ التَّسليمِ فخاصَمَه وَكيلُ المَوهوبِ له، وأقامَ البيِّنةَ، أنَّ صاحِبَ العَينِ وكَّله بدَفْعِها إليه، قُبِلَتِ البيِّنةُ، وأُجبِرَ الوَكيلُ على دَفْعِهِ؛ لأنَّ الثَّابِتَ بالبيِّنةِ كالثَّابِتِ بإقرارِ الخَصْمِ، فمُرادُه مِنْ هذا الإخبارِ أنَّه لا يُمكِنُه أنْ يَمنَعَ العَينَ، لا أنْ يُجبِرَه على مُباشَرةِ فِعلٍ؛ فإنَّ وَكيلَ المَوهوبِ له أنْ يَقبِضَه بأمْرِ الواهِبِ إذا لَم يَمنَعْه أحَدٌ مِنْ ذلك، فهو بهذه البيِّنةِ يُثْبِتُ عليه أنَّه ليسَ له حَقُّ المَنعِ؛ فإذا ثَبَتَ ذلك قَبَضَه وَكيلُ المَوهوبِ له بنَفْسِه.

وإذا ادَّعى مُدَّعٍ في ذلك دَعوَى لَم يَكُنْ واحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الوَكيلَيْنِ خَصمًا في خُصومَتِه؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهُما أمِينٌ في هذه العَينِ، والأمينُ لا يَكونُ خَصمًا لِمُدَّعي الأمانةِ ما لَم يَحضُرْ صاحِبُها، وليسَ لِوَكيلِ الواهِبِ أنْ يَرجِعَ في الهِبةِ، سَواءٌ كانَ وَكيلًا بالتَّسليمِ أو بعَقدِ الهِبةِ؛ لأنَّه سَفيرٌ ومَعبِّرٌ؛ فإنَّه لا يُستَغنَى عن إضافةِ العَقدِ إلى المُوكِّلِ، وتَكونُ هذه الهِبةُ تبَرُّعًا مِنْ جِهةِ المُوكِّلِ دونَ الوَكيلِ، فكما باشَرَ عَقدَ الهِبةِ وسُلِّمَتِ انتَهَتِ الوَكالةُ، والتَحَقَ بأجنَبيٍّ آخَرَ، فلا يَملِكُ الرُّجوعَ؛ لأنَّ ثُبوتَ حَقِّ الرُّجوعِ في الهِبةِ لِفَواتِ ما هو المَقصودُ، وهو العِوَضُ، وهذا هو المَقصودُ لِلمُوكِّلِ دونَ الوَكيلِ.

ولو أرادَ الواهِبُ أنْ يَرجِعَ في الهِبةِ وهي في يَدِ وَكيلِ المَوهوبِ له، لَم يَكُنْ له أنْ يَرجِعَ، ولَم يَكُنِ الوَكيلُ خَصمًا له فيهِ؛ لأنَّ يَدَ الوَكيلِ كَيَدِ المُوكِّلِ، ولأنَّ العِوَضَ مَقصودٌ مِنْ جانِبِ المُوكِّلِ دونَ الوَكيلِ، فالقَبضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>