للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَدينةِ»، فلمَّا دَنَوْنا مِنْ المَدينةِ أخَذْتُ أرتَحِلُ. قالَ: «أينَ تُريدُ؟» قُلتُ: تَزوَّجتُ امرَأةً قَدْ خَلا مِنها. قالَ: «فهَلَّا جاريةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟» قُلتُ: إنَّ أبي تُوفِّيَ وترَك بَناتٍ، فأرَدتُ أنْ أنكِحَ امرَأةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلا مِنها. قالَ: «فذلك». فلمَّا قَدِمْنا المَدينةَ قالَ: «يا بلالُ اقضِه وزِدْه»، فأعطاهُ أربَعةَ دَنانيرَ وزَادَه قِيراطًا، قالَ جابِرٌ: لا تُفارِقُني زِيادةُ رَسولِ اللَّهِ ، فلَم يَكُنِ القِيراطُ يُفارِقُ جِرابَ جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ.

فَفي هذا الحَديثِ دَليلٌ على جَوازِ التَّوكيلِ في الهِبةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ وكَّل بِلالًا أنْ يَزِيدَه، وهذه هِبةٌ (١).

صُورةُ التَّوكيلِ في الهِبةِ: وكَّل فُلانٌ فُلانًا أنْ يَهَبَ فُلانًا ما هو جارٍ في مِلْكِ المُوكِّلِ المَذكورِ وحيازَتِه وتَحتَ يَدِه، وذلك جَميعُ كذا وكذا، وأنْ يُسلِّمَ إليه الهِبةَ المَذكورةَ تَوكيلًا شَرعيًّا قبلَ ذلك مِنه قَبولًا شَرعيًّا ويُكمِلُ (٢).

قالَ الحَنفيَّةُ: يَجوزُ لِلواهِبِ أنْ يُوكِّلَ وَكيلًا بالتَّسليمِ؛ لأنَّه عَمَلٌ تُجزئُ فيه النِّيابةُ، وإذا وقَع فيه الغَلَطُ يُمكِنُ تَدارُكُه، فيَقومُ فِعلُ الوَكيلِ فيه مَقامَ فِعلِ المُوكِّلِ، وكَذلك يَجوزُ لِلمَوهوبِ له أنْ يُوكِّلَ بالقَبضِ، والصَّدَقةُ نَظيرُ الهِبةِ في ذلك؛ فإنَّ التَّسليمَ والقَبضَ في ذلك بمَنزِلةِ الإيجابِ والقَبولِ في البَيعِ والشِّراءِ، والتَّوكيلُ به يَصحُّ.


(١) «نيل الأوطار» (٦/ ٢١).
(٢) «جواهر العقود» (١/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>