للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرادَ قَبْضَه قبلَ أنْ يَقْدَمَ الغائِبُ، فله ذلك، وإنْ ضاعَ في أيْدِي المَدفوعِ إليه بعدَ الإجازةِ، كانَ مِنْ الطَّالِبِ، وصارَ كَأنَّه وَكيلٌ يَومَ قَبضِ المالِ (١).

وأمَّا المالِكيَّةُ فقالَ منهم القاضي عَبدُ الوَهَّابِ : إذا وكَّله في قَبْضِ دَيْنٍ له على رَجُلٍ، أو وَديعةٍ عندَه، فصدَّق الغَريمُ الوَكيلَ، وليسَ لِلوَكيلِ بيِّنةٌ، لا يُجبَرُ الغَريمُ على دَفْعِ الشَّيءِ إلى الوَكيلِ، خِلافًا لِأبي حَنيفةَ في قَوله: إنَّه يُجبَرُ إذا كانَ الحَقُّ في الذِّمةِ، ولا يُجبَرُ إذا كانَ في غيرِ ذِمَّتِه، ولأنَّه لا يَلزَمُ الغَريمَ أنْ يَدفعَ إلَّا ما يَبرَأُ به، بدَليلِ أنَّه لو كانَ عليه حَقٌّ فطالَبَه صاحِبُه به كانَ له أنْ يَمنَعَه حتى يُحضِرَ الوَثيقةَ، وحينَئذٍ تَسقُطُ شَهادةُ الشُّهودِ، والدَّفعُ بالإقرارِ لا يَبرَأُ به بدَليلِ أنَّ صاحِبَ الدَّينِ لو جَحَدَ الوَكالةَ لَزِمَه دَفعُها إليه ثانيةً، وإذا كانَ كَذلك لَم يَلزَمْه الدَّفْعُ، وتَحريرُه أنْ يُقالَ: كلُّ مَنْ لَم يَبرَأْ بالدَّفعِ إليه لَم يُجبَرْ على دَفْعِه إليه، كالأجنَبيِّ، ولأنَّه أقَرَّ على غيرِه بالتَّوكيلِ، فلَم يَلزَمْ بحُكمِ ذلك الإقرارِ تَسليمُ ما في يَدِه إلى الوَكيلِ، اعتِبارًا بما في يَدِه مِنْ العَينِ.

إذا ثَبَتَ أنَّه لا يُجبَرُ على الدَّفعِ إلى مَنْ يَعترِفُ بأنَّه وَكيلٌ بغيرِ بيِّنةٍ على الوَكالةِ، فلَوِ اعتَرَفَ له صاحِبُ الحَقِّ فقَد أُبْرِئَ، وإنْ أنكَرَ الوَكالةَ وأقَرَّ قَبضَ الحَقِّ أُبْرِئَ الغَريمُ أيضًا؛ لأنَّ ثُبوتَ الوَكالةِ ليسَ بشَرطٍ في الإبراءِ، كما لو بَعَثَ به الغَريمُ على يَدِ رَسولٍ ابتِداءً، واعتَرَفَ صاحِبُ الحَقِّ بقَبضِه، لَأُبْرِئَ الغَريمُ، فإنْ أقَرَّ صاحِبُ الحَقِّ بالوَكالةِ وأنكَرَ أنْ يَكونَ الغَريمُ دفَع


(١) «مجمع الضمانات» (٥٤٩)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٦٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>