للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُوكِّلِ، إنَّما لا يُعتبَرُ إذا جاءَ بعدَ البَيعِ قبلَ القَبضِ، أمَّا إذا جاءَ في مَجلِسِ عَقدِ الوَكيلِ؛ فإنَّه يَنتقِلُ العَقدُ إلى المُوكِّلِ، ويُعتبَرُ مُفارَقةُ المُوكِّلِ؛ لأنَّه إذا كانَ حاضِرًا في المَجلِسِ يَصيرُ كَأنَّه صارِفٌ بنَفْسِه، فلا يُعتبَرُ مُفارَقةُ الوَكيلِ بعدَ ذلك (١).

وَقالوا: وإنْ وكَّل رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بالصَّرفِ لَم يَكُنْ لِأحَدِهِما أنْ يَنفَرِدَ بهِ؛ لأنَّه فوَّض إليهما ما يَحتاجُ فيه إلى الرَّأْيِ، ورَأْيُ الواحِدِ لا يَكونُ كَرَأْيِ المَثْنَى؛ فَإنْ عقَدا جَميعًا ثم ذهَب أحَدَهُما قبلَ القَبضِ بطَلتْ حِصَّتُه وحِصَّةُ الباقي جائِزةٌ، كما لو باشَرَا العَقدَ لِنَفْسَيْهِما، وإنْ وكَّلا جَميعًا رَبَّ المالِ بالقَبضِ، أو الأداءِ، وذَهَبا بطَل الصَّرفُ؛ لِوُجودِ الِافتِراقِ مِنْ العاقِدَيْنِ قبلَ التَّقابُضِ، ورَبُّ المالِ في حُقوقِ العَقدِ كَأجنَبيٍّ آخَرَ.

وإنْ وكَّله في أنْ يَصرِفَ له دَراهِمَ بدَنانيرَ فصَرَفَها وتَقابَضَا، وأقَرَّ الذي قبَض الدَّراهِمَ بالِاستِيفاءِ، ثم وجَد فيها دِرهَمًا زائِفًا فقبلَه الوَكيلُ وأقَرَّ أنَّه مِنْ دَراهِمِه، وجَحَدَه المُوكِّلُ، فهو لَازِمٌ لِلمُوكِّلِ؛ لأنَّه لا قولَ لِلقابِضِ فيما يَدَّعِي مِنْ الزِّيافةِ بعدَما أقَرَّ باستِيفاءِ حَقِّه، وإنَّما يَرُدُّه على الوَكيلِ بإقرارِه، وإقرارُه لا يَكونُ حُجَّةً على المُوكِّلِ، فلِهذا كانَ لَازِمًا لِلوَكيلِ.

وإذا وكَّله بأنْ يَصرِفَ له هذه الدَّراهِمَ بدَنانيرَ، فصَرَفَها، فليسَ لِلوَكيلِ أنْ يَتصرَّفَ في الدَّنانيرِ؛ لأنَّ الوَكالةَ قَدِ انتَهَتْ، فالدَّنانيرُ المَقبوضةُ أمانةٌ في يَدِه لِلمُوكِّلِ، فلا يَتصرَّفُ فيها بغيرِ أمْرٍ.


(١) «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٨٢، ٤٨٣)، و «اللباب» (١/ ٥٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>