للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ وكَّله أنْ يَشتَريَ له إبريقَ فِضَّةٍ بعَينِه مِنْ رَجُلٍ، فاشتَراه بدَراهِمَ أو دَنانيرَ، جازَ على الآمِرِ، وجازَ إنْ نَواه لِنَفْسِهِ؛ لأنَّ مُطلَقَ التَّوكيلِ بالشِّراءِ يَنصَرِفُ إلى الشِّراءِ بالنَّقدِ، فهو بنِيَّتِه قصَد عَزلَ نَفْسِه في مُوافَقةِ أمْرِ الآمِرِ، وليسَ له أنْ يُخرِجَ نَفْسَه مِنْ الوَكالةِ إلَّا بمَحضَرٍ مِنْ الآمِرِ، وإنِ اشتَراه بشَيءٍ ممَّا يُكالُ أو يُوزَنُ بعَيْنِه أو بغيرِ عَيْنِه لَم يَجُزْ على الآمِرِ؛ لأنَّ مُطلَقَ التَّوكيلِ بالشِّراءِ يَتقيَّدُ بالشِّراءِ بالنَّقدِ؛ فإذا اشتَراه بشَيءٍ آخَرَ كانَ مُخالِفًا، وكانَ مُشتَرِيًا لِنَفْسِه؛ فَإنْ وكَّله بفِضَّةٍ له بَيعُها ولَم يُسَمِّ له الثَّمَنَ، فباعَها بفِضَّةٍ أكثَرَ مِنها، لَم يَجُزْ كما لو باعَها المُوكِّلُ بنَفْسِه، ولا يَضمَنُ الوَكيلُ؛ لأنَّه لَم يُخالِفْ، والوَكيلُ إنَّما يَضمَنُ بالخِلافِ، لا بفَسادِ العَقدِ، والمُوكِّلُ أحَقُّ بهذه الفِضَّةِ مِنْ الوَكيلِ، يَقبِضُ مِنها وَزنَ فِضَّتِه؛ لأنَّ فِضَّتَه صارَتْ دَيْنًا على القابِضِ، وقَد ظَفِرَ بجِنسِ حَقِّه مِنْ مالِ المَدِينِ، فكانَ له أنْ يَأخُذَ مِنْ ذلك مِقدارَ حَقِّه، والباقي في يَدِ الوَكيلِ حتى يَرُدَّه إلى صاحِبِه (١).

وقالَ المالِكيَّةُ: فقالَ ابنُ شاسٍ : الوَكالةُ على الصَّرفِ جائِزةٌ إنْ تَوَلَّى الوَكيلُ العَقدَ والقَبضَ، وأمَّا إنْ تَولَّى أحَدُهما خاصَّةً، فأمَّا القَبضُ فَإنْ غابَ المُوكِّلُ حينَ القَبضِ فَسَدَ الصَّرفُ، وإنْ كانَ بحَضرةِ المُوكِّلِ صَحَّ. وقَد رُوِيَ المَنعُ مُطلَقًا. وحمَله القاضي أبو الوَليدِ على إطلاقِه، وجعَل المَذهبَ على قولَيْنِ في اشتِراطِ قَبضِ المُوكِّلِ بنَفْسِه في صِحَّةِ الصَّرفِ.

وأمَّا العَقدُ فحُكمُ الوَكيلِ فيه حُكمُ المُوكِّلِ في المَسألةِ الأُولى (٢).


(١) «المبسوط» (١٤/ ٦٠، ٦١)، و «المحيط البرهاني» (٧/ ٤٠٦، ٤٠٧).
(٢) «عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة» (٢/ ٦٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>