وإذا كانَ لَفظُ المُوكِّلِ عامًّا؛ فإنَّه يَتخصَّصُ بالعُرفِ، كما إذا قالَ: وَكَّلتُكَ على بَيعِ دَوابِّي، وكانَ العُرفُ يَقتَضي تَخصيصَ ذلك ببعضِ أنواعِ الدَّوابِّ؛ فإنَّه يَتخصَّصُ، وكذا إذا قالَ: وَكَّلتُكَ على بَيعِ هذه السِّلعةِ؛ فإنَّ هذا اللَّفظَ عامٌّ في بَيعِها في كلِّ مَكانٍ وزَمانٍ؛ فإذا كانَ العُرفُ: تُباعُ هذه السِّلعةُ في سوقٍ مَخصوصٍ، أو في زَمانٍ مَخصوصٍ، يُخصَّصُ هذا العُمومُ، وكذا إذا كانَ الشَّيءُ المُوكَّلُ عليه مُطلَقًا، أو كانَ لَفظَ المُوكِّلِ؛ فإنَّه يَتقيَّدُ بالعُرفِ، كما لو قالَ: اشتَرِ لي؛ فإنَّه يَتقيَّدُ بما يَليقُ به، ولا يَتجاوَزُه الوَكيلُ إلى غيرِ ما وكَّل عليه، سَواءٌ كانَ مُعيَّنًا بالنَّصِّ، أو مُخصَّصًا، أو مُقيَّدًا، وتُخصَّصُ وتُقيَّدُ بالعُرفِ (١).
وقالَ الشَّافِعيَّةُ: يُشترَطُ أنْ يَكونَ المُوكَّلُ فيه مَعلومًا مِنْ بعضِ الوُجوهِ، حيثُ يَقِلُّ مَعه الغَرَرُ، سَواءٌ كانَتِ الوَكالةُ عامَّةً، أو خاصَّةً، ولا يُشترَطُ عِلمُه مِنْ كلِّ وَجهٍ؛ لأنَّ تَجويزَ الوَكالةِ لِلحاجةِ يَقتَضي المُسامَحةَ فيه، فيَكفي أنْ يَكونَ مَعلومًا مِنْ وَجهٍ يَقِلُّ مَعه الغَرَرُ لِلوَكيلِ، بخِلافِ ما إذا كَثُرَ.
فَلَو قالَ: وَكَّلتُكَ في كلِّ قَليلٍ وكَثيرٍ لي، أو مِنْ أُموري، أو في كلِّ أُموري، أو فَوَّضتُ إلَيكَ كلَّ شَيءٍ، أو أنتَ وَكيلي، فتصرَّفْ كَيفَ شِئتَ، أو نحوَ ذلك، لَم يَصحَّ التَّوكيلُ؛ لأنَّه يَدخُلُ فيه ما يُطيقُ وما لا يُطيقُ، ويَعظُمُ الضَّرَرُ، ويَكثُرُ الغَرَرُ فيه.
(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥٧، ٥٨)، و «التاج والإكليل» (٤/ ١٩٩، ٢٠٠)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٤٧، ١٤٨)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٨٢)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٧٠، ٧١)، و «منح الجليل» (٦/ ٦٣٨).