وقالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ ﵀: واختَلفَ قَولُ مالِكٍ في جَوازِ مُعامَلةِ الطَّبيبِ على البُرءِ، فمَرَّةً أجازَ ذلك، ومَرَّةً قالَ: لا يَجوزُ إلَّا إلى مُدَّةٍ مَعلومةٍ (١).
وقالَ ابنُ أبي زَيدٍ القَيرَوانيُّ ﵀: ولمَّا كانَتْ مُشارَطةُ الطَّبيبِ على البُرءِ شَبيهةً بمَسألةِ الإجارةِ على التَّعليمِ لِلقُرآنِ على الحُذَّاقِ، باعتِبارِ أنَّه لا شَيءَ لِلعامِلِ إلَّا بالتَّمامِ، ذكَرها عَقِبَها بقَوله: ومُشارَطةُ الطَّبيبِ على البُرءِ جائِزةٌ، والمعنَى أنَّه يَجوزُ مُعاقَدةُ الطَّبيبِ على البُرءِ بأُجرةٍ مَعلومةٍ لِلمتَعاقدَيْنِ؛ فإذا بَرِئَ المَريضُ أخَذَها الطَّبيبُ، وإلَّا لَم يَأخُذْ شَيئًا، واتَّفَقا على أنَّ جَميعَ الدَّواءِ مِنْ عِنْدِ العَليلِ؛ لأنَّه يَجوزُ كَونُه مِنْ عِنْدِ الطَّبيبِ، على أنَّه إنْ بَرِئَ العَليلُ يَدفَعُ الأُجرةَ وثَمَنَ الدَّواءِ، وإنْ لَم يَبرَأْ يَدفَعْ له قِيمةَ الدَّواءِ فَقط، وإنَّما لَم تَجُزْ تلك الصُّورةُ لِأدائِها إلى اجتِماعِ جُعلٍ وبَيعٍ، وهو لا يَجوزُ.
والحاصِلُ أنَّ المُعاقَدةَ على حِفظِ القُرآنِ، وعلى البُرءِ، وعلى استِخراجِ الماءِ، وكِراءِ السَّفينةِ، والمُغارَسةِ، وهي إعطاءُ الرَّجلِ أرضَه لمَن يَغرِسُ فيها شَيئًا مِنْ الأشجارِ، وإذا بلَغتْ حَدًّا مَعروفًا تَصيرُ الأرضُ والأشجارُ بينَهما مُشابِهةً لِلإجارةِ والجَعالةِ، وبَيانُ ذلك أنَّه لمَّا كانَ العامِلُ
(١) «الكافي» (١/ ٣٧٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute