فظاهِرُ كَلامِ أحمدَ أنَّ الإجارةَ تَنفَسِخُ فيما بَقيَ مِنْ المدَّةِ؛ لأنَّه قد جاءَ أمْرٌ غالِبٌ يَمنَعُ المُستَأجِرَ مِنْ مَنفَعةِ العَينِ، فأشبَهَ ما لَو غُصِبَتْ؛ ولأنَّ بَقاءَ العَقدِ ضَرَرٌ في حَقِّ المُكتَرِي والمُكري؛ لأنَّ المُكتَرِي يَجِبُ عليه الكِراءُ مِنْ غيرِ نَفْعٍ، والمُكرِي يَمتَنِعُ عليه التَصرُّفُ في مالِه مع ظُهورِ امتِناعِ الكِراءِ عليه.
وقد نُقِلَ عن أحمدَ في رَجُلٍ اكتَرى بَعيرًا فماتَ المُكتَرِي في بَعضِ الطَّريقِ، فإنْ رَجعَ البَعيرُ خاليًا فعليه بقَدْرِ ما وجبَ لَه، وإنْ كانَ عليه ثِقْلُه ووِطاؤُه، فلَه الكِراءُ إلى المَوضِعِ، وظاهِرُ هذا أنَّه حَكَمَ بفَسخِ العَقدِ فيما بَقيَ مِنْ المدَّةِ إذا ماتَ المُستَأجِرُ ولَم يَبْقَ به انتِفاعٌ؛ لأنَّه تَعذَّرَ استِيفاءُ المَنفَعةِ بأمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعالى، فأشبَهَ ما لَوِ اكتَرى مَنْ يَقلَعُ له ضِرسَه فبَرَأَ أو انقَلَعَ قبلَ قَلعِه، أو اكتَرى كَحَّالًا لِيُكحِّلَ عَينَيْه فبَرَأتْا أو ذَهَبَتا، ويَجِبُ أنْ يُقَدِّرَ أنَّه لَم يكُنْ ثَم مِنْ وَرثَتِه مَنْ يَقومُ مَقامَه مِنْ الِانتِفاعِ؛ لأنَّ الوارِثَ يَقومُ مَقامَ المَوروثِ، وتَأوَّلَها القاضي على أنَّ المُكرِي قَبَضَ البَعيرَ، مَنَعَ الوَرثةَ مِنْ الِانتِفاعِ، ولَولا ذلك لَمَا انفَسخَ العَقدُ؛ لأنَّه لا يَنفَسِخُ بعُذْرٍ في المُستَأجِرِ مع سَلامةِ المَعقودِ عليه، كَما لَو حَبَسَ مُستَأجِرٌ الدَّارَ ومَنَعَ مِنْ سُكناها، ولا يَصحُّ هَذا؛ لأنَّه لَو مَنَعَ الوارِثَ الِانتِفاعَ لَمَا استَحقَّ شَيئًا مِنْ الأجْرِ، ويُفارِقُ هذا ما لَو حُبِسَ المُستَأجِرُ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه انتِفاعُه، وهذا لا يُؤيَسُ منه بالحَبسِ؛ فإنَّه في كلِّ وَقتٍ يُمكِنُ خُروجُه مِنْ الحَبسِ وانتِفاعُه، ويُمكِنُ أنْ يَستَنيبَ مَنْ يَستَوفيَ المَنفَعةَ، إمَّا بأجرٍ، وإمَّا بغَيرِه، بخِلافِ المَيِّتِ؛ فإنَّه قد فاتَ انتِفاعُه بنَفْسِه ونائِبِه، فأشبَهَ ما ذَكَرْنا مِنْ الصُّوَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute