وأمَّا الجَوابُ عن قياسِه على ما إذا باعَ ما أجَّرَ برِضَا المُستَأجِرِ فهو غيرُ مُسلَّمِ الأصْلِ؛ لأنَّ الإجارةَ لا تَبطُلُ بالبَيعِ عن رِضاه، كَما لا تَبطُلُ بالبَيعِ عن سُخطِه، وإنَّما البَيعُ مُختَلفٌ في إبطالِه، ثم يَنتقِضُ على أصْلِه بعِتقِ العَبدِ المُؤاجَرِ قد زالَ مِلْكُ سَيِّدِه عن رَقَبَتِه، مع بَقاءِ الإجارةِ عليها، فكذلك إذا زالَ مِلْكُه بالبَيعِ والمَوتِ.
وأمَّا الجَوابُ عن استِدلالِه بأنَّ المَنافِعَ تُستَوفَى بعَقدٍ ومِلْكٍ، وهذا مُفتَرقٌ بالمَوتِ، فهو أنَّ اجتِماعَها يُعتبَرُ عندَ العَقدِ، ولا يُعتبَرُ فيما بَعدُ، كَما لَو أعتَق أو باعَ، ولا يَمتَنِعُ أنْ يُستَوفَى مِنْ يَدِ الوارِثِ ما لَم يُعاقِدْ عليه، كَما يُستَوفَى منه ثَمنُ ما اشتَراه المَوروثُ، ويَقبِضُ منه أعيانَ ما باعَه المَوروثُ؛ لأنَّ المَوروثَ قد ملكَ عليه ذلك بعَقدِه، فلَم يَملِكْه الوارِثُ بمَوتِه (١).
وقالَ الحَنابِلةُ: إذا ماتَ المُؤجِّرُ والمُستَأجِرُ، أو ماتَ أحَدُهما مع سَلامةِ المَعقودِ عليه؛ فلا تَنفَسِخُ الإجارةُ، كَما لَو زَوَّجَ أَمَتَه ثم ماتَ، ووُجوبُ الأجْرِ هَهُنا بسَبَبٍ مِنْ المُستَأجِرِ، فوجبَ في تَرِكَتِه بعدَ مَوتِه، كَما لَو حَفَرَ بِئرًا فوقعَ فيها شَيءٌ بعدَ مَوتِه، ضَمِنَه في مالِهِ؛ لأنَّ سَبَبَ ذلك كانَ منه في حالِ الحَياةِ، كَذا هَهُنا.
وإنْ ماتَ المُستَأجِرُ ولَم يكُنْ له وارِثٌ يَقومُ مَقامَه في استِيفاءِ المَنفَعةِ، أو كانَ غائِبًا، كَمَنْ يَموتُ في طَريقِ مَكَّةَ، ويُخَلِّفُ جَمَلَهُ الذي اكتَراه، وليسَ له عليه شَيءٌ يَحمِلُه، ولا وارِثَ له حاضِرًا يَقومُ مَقامَه، قالَ ابنُ قُدامةَ: