وَإذا أجَّرَ المَوقوفُ عليه الوَقفَ مدَّةً فماتَ في أثنائِها، وانتَقلَ إلى مَنْ بَعدَه، ففيه وَجهانِ:
أحَدُهما: لا تَنفَسِخُ الإجارةُ؛ لأنَّه ملكَه في زَمنِ وِلايَته، فلَم يَبطُلْ بمَوتِه، كَما لَو أَجَّرَ مِلْكَه الطَّلقَ.
الآخَرُ: لا تَنفَسِخُ الإجارةُ فيما بَقيَ مِنْ المدَّةِ؛ لأنَّا تَبيَّنَّا أنَّه أجَّرَ مِلْكَه ومِلْكَ غَيرِه، فُسِخَ في مِلْكِه دونَ مِلكِ غَيرِه، كَما لَو أجَّرَ دارَيْنِ، إحداهُما لَه، والأُخرَى لِغَيرِه، وذلك لأنَّ المَنافِعَ بعدَ المَوتِ حَقٌّ لِغَيرِه؛ فلا يَنفُذُ عَقدُه عليها مِنْ غيرِ مِلْكٍ ولا وِلايةٍ، ولا بخِلافِ الطَّلقِ، فإنَّ المالِكَ يَملِكُ مِنْ جِهةِ المَوروثِ، فلا يَملِكُ إلَّا ما خَلَّفَه، وما تَصرَّفَ فيه في حَياتِه لا يَنتقِلُ إلى الوارِثِ، والمَنافِعُ التي أجَّرَها قد خَرجَتْ عن مِلْكِه بالإجارةِ؛ فلا تَنتقِلُ إلى الوارِثِ، والبَطنُ الثَّاني في الوَقفِ يَملِكونَ مِنْ جِهةِ الواقِفِ، فما حَدَثَ فيها بعدَ البَطنِ الأولِ كانَ مِلْكًا لَهم، فقَد صادَفَ تَصرُّفَ المُؤجِّرِ في مِلْكِهم مِنْ غيرِ إذْنِهم، ولا وِلايةَ له عليهم؛ فلَم يَصحَّ.
وَيُتخَرجُ بأنْ تَبطُلَ الإجارةُ كلُّها بِناءً على تَفريقِ الصَّفقةِ، وهذا التَّفصيلُ مَذهَبُ الشَّافِعيِّ؛ فعلى هذا إنْ كانَ المُؤجِّرُ قَبَضَ الأجْرَ كلَّه، وقُلْنا: تَنفَسِخُ الإجارةُ؛ فلِمَنِ انتَقلَ إليه الوَقْفُ أخْذُه، ويَرجِعُ المُستَأجِرُ على وَرثةِ المُؤجِّرِ بحِصَّةِ البَقيَّةِ مِنْ الأجْرِ، وإنْ قُلْنا: لا تَنفَسِخُ، رَجعَ مَنِ انتَقلَ إليه الوَقْفُ على التَّرِكةِ بحِصَّتِه (١).
(١) «المغني» (٥/ ٢٧١، ٢٧٢)، و «الشرح الكبير» (٦/ ١٠٦)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٨٠، ١٨٢)، و «الفروع» (٤/ ٣٣١)، و «المبدع» (٥/ ١٠٤)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٥٦)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٦٦١)، و «الروض المربع» (٢/ ٩٩)، و «منار السبيل» (٢/ ٢٢٣).