للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= = وأنَّها قد تنجَّسَت لذلك، وأنَّ النَّجاسةَ قد انتقَلَت في جِلدِها، فقالوا: «إنَّها مَيتةٌ» أي: جِلدُها نَجسٌ، والرَّسولُ أقَرَّ ذلك منهم، وأجابَهم على مُقتَضى ما فهِموا وأرشَدَهم إلى ما يُطهِّرُ هذا النَّجسَ من الماءِ والقَرظِ.
وقالَ في مَوضعٍ آخَرَ: المَسفوحُ هوالذي يَخرجُ بغَزارةٍ وبقُوةٍ، وغيرُ المَسفوحِ هو الدَّمُ الذي يَكونُ باقيًا في عُروقِ الذَّبيحةِ بعدَ سَلخِها، وقد تَظهرُ حُمرةُ هذا الدَّمِ في المَرقِ في أوائِلِ الطَّبخِ، وهذا مَعفوٌّ عنه.
ثم قالَ: أدِلةُ مَنْ قالَ بعَدمِ نَجاسةِ الدَّمِ والجَوابُ عنها:
(٢) الذين قالوا بطَهارةِ الدَّمِ المَسفوحِ قالوا: إنَّما حرُمَ أكلُه ولم تَحرُمْ مُلامَستُه ولا يَدلُّ ذلك على النَّجاسةِ، واستَدَلوا بقِصةِ عُمرَ بنِ الخَطابِ ، حينما صلَّى وجُرحُه يَنزفُ دَمًا.
واستَدلُّوا بقِصةِ عَمارٍ الذي كانَ معه في الشِّعبِ، فأمَرَه أنْ يَحرسَ لَيلًا، وكانَ العَدوُّ قد وقَعَت به حادِثةٌ فتَبعَهم لَيلًا فقامَ أحدُهما يَحرسُ ويُصلِّي ويَقرأُ، فسمِعَ العَدوُّ صَوتَ القارِئِ فسدَّدَ السَّهمَ في اللَّيلِ على الصَّوتِ فأصابَه، فانتزَعَ الحارِسُ السَّهمَ ومَضى في صَلاتِه، إلى أنْ رُميَ بثَلاثةِ أسهُمٍ، فأيقَظَ صاحِبَه سُقوطُ الدَّمِ على وَجهِه، فقالَ: ما هذا؟ فأخبَرَه، فقالَ: هلَّا أخبَرتَني؟ قالَ: كُنْتُ أقرأُ سُورةً فكرِهتُ أنْ أقطَعَها، قيلَ: سُورةُ الكَهفِ، فقالوا: خرَجَ منه الدَّمُ فلم يَقطعْ صَلاتَه، ولوكانَ نَجسًا لقطَعَها، وكذلك ما جاءَ في حَقِّ المُستحاضةِ: (صلِّي ولو قطَرَ الدَّمُ على الحَصيرِ)، ولأنَّها لم تَستطِعْ إيقافَه، لكنْ لا تُقاسُ حالةُ الاضطِرارِ على حالِه السَّعةُ، تَرى عُمرَ يَتركُ الصَّلاةَ لجُرحِه، وهو يَقولُ: لا حَظَّ في الإسلامِ لمَن ترَكَ الصَّلاةَ! وكذلك الذي كانَ يَحرسُ في الجَيشِ، ألَا تَرى المجاهِدينَ يُجرَحونَ ويُصابونَ، بل تَكونُ سُيوفُهم مَليئةً بالدِّماءِ، ويُصلونَ صَلاةَ الخَوفِ وهم يَحمِلونَ السِّلاحَ، فلا تُقاسُ حالةُ الاضطِرارِ في القِتالِ على حالةِ السَّعةِ في السِّلمِ، والكَلامُ في غيرِ الضَّروراتِ، فلا مُستندَ لهم فيما يَقولونَ، واللهُ تَعالى أعلَمُ، انتَهى كَلامُه/ نَقلًا من بُلوغ المَرامِ (٨/ ٤، ١٢/ ٦). =

<<  <  ج: ص:  >  >>