للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الدَّمِ، قالوا: هذه نَجاسةٌ لدَمِ الحَيضِ، وهي خاصَّةٌ، ولا تَتعدَّى إلى غيرِه.
قُلنا: أخبَرونا عن المُستَحاضةِ حينَما قالَ لها النَّبيُّ : «تَحيضينَ سِتةَ أيامٍ أوسَبعةَ أيامٍ، ثم اغسِلي عنكِ الدَّمَ وصَلِّي»، فقَولُه: «اغسِلي عنكِ الدَّمَ» هل هو دَمُ الحَيضِ أو دَمُ الاستِحاضةِ؟ إنْ كانَ الغُسلُ واقِعًا على دَمِ الحَيضِ، فهي ما زالَت في حَيضِها، وإن كانَ الحَيضُ قد انتَهى، فهي تَغسلُ دَمَ استِحاضةٍ، ودَمُ الاستِحاضةِ عِبارةٌ عن عِرقٍ يَنزفُ، وقد أُمِرت بغَسلِه، فيَكونُ نَصًّا في غَسلِ الدَّمِ وإنْ كانَ غيرَ دَمِ الحَيضِ.
ونأتي إلى كِتابِ «المحلى» لابنِ حَزمٍ وهو-كما نَعلمُ- يَأخذُ بالظاهِرِ، فقد جاءَ بقاعِدةٍ من أعجَبِ ما تَكونُ!! قالَ: إنَّه سُئلَ عن دَمٍ مَخصوصٍ، وهو دَمُ الحَيضِ، فكانَ الجَوابُ بالأعَمِّ فقالَ: «اغسِلي عنكِ الدَّمَ»، فعمَّمَ في الجَوابِ ولم يُخصِّصْ، كما كانَ السُّؤالُ مَخصوصًا، قالَ: (ال) هنا للجِنسِ، فهي سألَت عن نَوعٍ من أنواعِ الدِّماءِ، وأجابَها عن عُمومِ الدَّمِ، فتَكونُ جَميعُ الدِّماءِ نَجسةً، وكذلك دَمُ السَّمكِ -وهذه مُبالغةٌ منه- وإنْ كانَ بَعضُ المالِكيةِ يَقولُ شَيئًا من هذا، ولكنَّ العُمومَ أنَّها سألَت عن دَمِ الحَيضِ، وكانَ من المُمكنِ أنْ يَقولَ لها: اغسِليه، أو حُتِّيه، فيَكونَ الجَوابُ بضَميرٍ يَعودُ على المَسؤولِ عنه، ولكنْ كما قالَ ابنُ حَزمٍ أُلغي السُّؤالُ في خُصوصِ الدَّمِ، وأجابَ ب (ال) التي هي للعُمومِ، فتَستغرقُ جَميعَ أنواعِ الدَّمِ.
(١) وأيضًا أتَينا إلى «المجموع» لابنِ تَيميةَ فوَجَدناه يَذكرُ نَجاسةَ الدَّمِ في سَبعةِ مَواضعَ من «المجموع»، منها عندَ حَديثِ غَمسِ الذُّبابِ، وذكَرَ أنَّ العِلةَ في تَحريمِ المَيتةِ احتِباسُ الدَّمِ فيها، والدَّمُ نَجسٌ ويَضرُّ بصِحةِ الإنسانِ، وذكَرَ نَجاسةَ الدَّمِ في سَبعةِ مَواطنَ من «مجموع الفتاوى».
إذًا: كانَ الأمرُ على نَجاسةِ الدَّمِ إلى عَهدِ ابنِ تَيميةَ طيلةَ سَبعةِ قُرونٍ ومن بعدِه إلى اليَومِ، ولم يَقلْ أحَدٌ ممَّن يُعتدُّ برأيِه في المَذاهبِ الأربَعةِ من أهلِ الاجتِهادِ: إنَّ الدَّمَ المَسفوحَ طاهِرٌ، ونَقولُ: إنَّ هذا الحَديثَ نَصٌّ في المَوضوعِ؛ لأنَّهم فهِموا أنَّها مَيتةٌ، =

<<  <  ج: ص:  >  >>