وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ في «بدائع الصنائع» (١/ ٣٢٤): فالنَّبيُّ ﷺ لم يأمُرْ بالغُسلِ وبيَّن المَعنى وهو أنَّهم يُبعَثونَ يَومَ القيامةِ وأوداجُهم تَشخَبُ دَمًا فلا يُزالُ عنهم الدَّمُ بالغُسلِ ليَكونَ شاهِدًا لهم يَومَ القيامةِ، وبه تَبيَّنَ أنَّ غَسلَ دَمِ الشَّهيدِ من بابِ الكَرامةِ، وإنَّ الشَّهادةَ جُعِلت مانِعةً من حُلولِ نَجاسةِ المَوتِ كما في شُهداءِ أُحدٍ.وقد قالَ الإمامُ البُخاريُّ في «صحيحه»: بابُ: ما يَقعُ من النَّجاساتِ في السَّمنِ والماءِ ثم ذكَرَ حَديثَ أبي هُرَيرةَ ت مَرفوعًا: «كلُّ كَلْمٍ يَكلَمُه المُسلِمُ في سَبيلِ اللهِ يَكونُ يَومَ القيامةِ كهَيئتِها إذا طُعنَت تَفجَّرُ دَمًا اللَّونُ لَونُ الدَّمِ والعَرْفُ عَرْفُ المِسكِ»، قالَ ابنُ المُنيرِ السَّكندريُّ في المتواري على تراجم أبواب البخاري (١/ ٧٢): ووَجهُ الاستِدلالِ بحَديثِ دَمِ الشُّهداءِ أنَّه لما تغيَّرَت صِفتُه إلى صِفةِ طاهِرٍ وهو المِسكُ بطَلَ حُكمُ النَّجاسةِ فيه.وقالَ العَينيُّ وهو يَشرحُ هذا الحَديثَ في «عمدة القاري» (٣/ ١٦٤): وَجهُ المُناسبةِ في هذا أنَّه لما كانَ مَبنى الأمرِ في الماءِ بالتَّغيرِ بوُقوعِ النَّجاسةِ وأنَّه يَخرجُ عن كَونِه صالِحًا للاستِعمالِ لتَغيُّرِ صِفتِه التي خُلقَ عليها أورَدَ له نَظيرًا بتَغيُّرِ دَمِ الشَّهيدِ، فإنَّ مُطلقَ الدَّمِ نَجسٌ، ولكنَّه تغيَّرَ بواسِطةِ الشَّهادةِ في سَبيلِ اللهِ، ولهذا لا يُغسلُ عنه دَمُه ليَظهرَ شَرفُه يَومَ القيامةِ لأهلِ المَوقفِ بانتِقالِ صِفتِه المَذمومةِ إلى الصَّفةِ المَمدوحةِ، حيث صارَ انتِشارُه كرائِحةِ المِسكِ فافهَمْ؛ فإنَّ هذا المِقدارَ كافٍ. اه وانظر: «فتح الباري» (١/ ٤١١).(٣) وقالَ الإمامُ الزَّركَشيُّ: عَدمُ غُسلِ الشَّهيدِ قيلَ دَفعًا للحَرجِ والمَشقةِ، لكَثرةِ الشُّهداءِ في المُعترَكِ، وقيلَ لأنَّه لما لم يُصَلَّ عليه لم يُغسَّلْ، وقيلَ -وهو الصَّحيحُ-: لئلَّا يَزولَ أثَرُ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute