وَذَهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، أبُو يُوسفَ ومُحمَّدٌ -وبِه يُفتَى عندَ الحَنفيَّةِ- والمالِكيَّةِ والشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ -في المَذهبِ- إلى أنَّ يَدَ الأجيرِ المُشترَكِ يَد ضَمانٍ، فهو ضامِنٌ لِمَا يَهلِكُ في يَدِه، ولَو بغَيرِ تَعَدٍّ، أو تَقصيرِ مِنه؛ إلَّا في الحَريقِ الغالِبِ، والغَرَقِ الغالِبِ، والسَّرَقِ الغالِبِ عِند أبي يُوسفَ، ومُحمَّدٍ، والمالِكيَّةِ، وقَولٍ لِلحَنابِلةِ.
لأنَّه قد رُوِيَ أنَّ عُمرَ كانَ يُضَمِّنُ الأجيرَ المُشترَكَ احتِياطًا لِأموالِ النَّاسِ، وهو المَعنِيُّ في المَسألةِ، وهو أنَّ هَؤُلاءِ الأُجَراءَ الذين يُسَلَّمُ المالُ إلَيهم مِنْ غيرِ شُهودٍ، تُخافُ الخِيانةُ مِنهم؛ فلَو عَلِموا أنَّهم لا يَضمَنونَ لَهَلَكَتْ أموالُ النَّاسِ؛ لأنَّهم لا يَعجِزونَ عن دَعوَى الهَلاكِ، وهذا المَعنَى لا يُوجَدُ في الحَرقِ الغالِبِ، والغَرَقِ الغالِبِ، والسَّرَقِ الغالِبِ (١).
وقالَ القاضي عَبدُ الوَهَّابِ ﵀: فدَليلُنا إجماعُ الصَّحابةِ؛ لأنَّ ذلك رُوِيَ عن عُمرَ وعَلِيٍّ، وقالَ عَلِيٌّ: «لا يُصلِحُ النَّاسَ إلَّا ذلك»، ولأنَّ ذلك يَتعلَّقُ به مَصلَحةُ الصُّنَّاعِ وأربابِ السِّلَعِ، وفي تَرْكِه ذَريعةٌ إلى إتلافِ أموالِ النَّاسِ، وكذلك إنْ كانَ بالنَّاسِ ضَرورةٌ إلى الصُّنَّاعِ؛ لأنَّه لَيسَ كلُّ أحَدٍ يُحسِنُ أنْ يَخيطَ ويُقصِّرَ ثَوبَه أو يُطَرِّزَه، فلَو قَبِلْنا قَولَ الصُّنَّاعِ في الإتلافِ لَتَسَرَّعوا إلى دَعوَى ذلك، ولَحِقَ أربابَ السِّلَعِ الضَّررُ؛ لأنَّهم بينَ أمرَيْنِ، إمَّا أنْ يُدفَعَ إلَيهمُ المَتاعُ فلا يُؤمَنُ مِنهم ما ذَكَرْناه، وإمَّا ألَّا يُدفَعَ، فيَضُرُّ بهم، فكانَ تَضمِينُهم صَلاحًا لِلفَريقَيْنِ، ولأنَّه قَبَضَ العَينَ لِمَنفَعةِ نَفْسِه
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٢١٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute