للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك على وَجْهِ الِاختيارِ لَهم والأمانةِ، ولَو كانَ ذلك إلى أمانَتِهم لَهَلَكَتْ أموالُ النَّاسِ وضاعَتْ قِبَلَهم واجتَرؤُوا على أخْذِها، ولَو تَركوها لَم يَجِدوا مُستَعتِبًا، ولَم يَجِدوا غَيرَهم، ولا أحَدَ يَعمَلُ تلك الأعمالَ غَيرُهم، فضَمِنوا ذلك لِمَصلَحةِ النَّاسِ، ومِمَّا يُشبِهُ ذلك مِنْ مَنفَعةِ العامَّةِ ما قالَه رَسولُ اللَّهِ : «لا يَبيعُ حاضِرٌ لِبادٍ، ولا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حتى يُهبَطَ بها إلى الأسواقِ» (١)؛ فلَمَّا رَأَى أنَّ ذلك يُصلِحُ العامَّةَ أمَرَ فيه بذلك. اه (٢).

وعلى هذا؛ فإنَّ المَذاهبَ الأربَعةَ مُتفِقةٌ على أنَّ الأجيرَ المُشترَكَ ضامِنٌ لِمَا جَنَتْ يَده أو قَصَّرَ في حِفظِه، أمَّا إنْ تَلِفَ الشَّيءُ في يَدِه مِنْ غيرِ تَعَدٍّ منه ولا تَفريطٍ، فقدِ اختَلفَ فيه الفُقهاءُ.

فذَهَبَ الإمامُ أبو حَنيفَةَ وزُفَرُ والحَسَنُ بنُ زِيادٍ والشافِعيُّ في رِوايةٍ، وأحمَدُ في رِوايةٍ: إلى أنَّ يَدَ الأجيرِ المُشترَكِ يَد أمانةٍ؛ كالأجيرِ الخاصِّ؛ لأنَّ الأصْلَ أنَّه لا يَجِبُ الضَّمانُ إلَّا على المُتعَدِّي؛ لِقَولِ الله : ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣]، ولَم يُوجَدِ التَّعدِّي مِنْ الأجيرِ؛ لأنَّه مَأذونٌ في القَبضِ؛ فقَدْ قَبَضَه بإذْنِ صاحِبِه، والهَلاكُ لَيسَ مِنْ صُنعِه؛ فلا يَجِبُ الضَّمانُ عليه، ولِهَذا لا يَجِبُ الضَّمانُ على المُودِعِ.


(١) هذا الحديث عبارة عن حديثَيْن في بعض؛ الأول رواه البخاري (٢١٦٠)، ومسلم (١٥٢١)، والثاني رواه البخاري (٢١٦٥).
(٢) «المدونة الكبرى» (١١/ ٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>