قالَ: وقولُه إذا اطَّردَ عُرفُهم بذلك؛ يَنبَغي أنْ يُحمَلَ على عُرفِ المُستَأجِرِ والمُؤجِّرِ جَميعًا، سَواءٌ كانَ المُستَأجِرُ مُسْلِمًا أو لا، فلَو كانَ عُرفُ اليَهودِ مُطَّرِدًا بذلك، ولَكنَّ المُستَأجِرَ المُسلِمَ لَم يَعرِفْ ذلك، لَم يكُنْ إطلاقُ العَقدِ في حَقِّه مُنزَلًا مَنزِلةَ الِاستِثناءِ، والقولُ قولُ المُسلِمِ في ذلك، إذا لَم يكُنْ مِنْ أهلِ تلك البَلدةِ، ولَم يُعلَمْ مِنْ حالِه ما يَقتَضي مَعرِفَتَه بذلك العُرفِ؛ وحينئذٍ هَلْ يَقولُ: العَقدُ باطِلٌ، أو يَصحُّ ويثبُتُ له الخيارُ، أو يُلزَمُ اليَهوديُّ بالعَملِ؟ فيه نَظَرٌ؛ والأقرَبُ الثَّالث؛ لأنَّ اليَهوديَّ مُفَرِّطٌ بالإطلاقِ مع مَنْ لَيسَ مِنْ أَهلِ العُرفِ. قالَ: وإذا اقتَضَى الحالُ استِثْناءَها وأسلَمَ الذِّميُّ في مدَّةِ الإجارةِ، وأتَى عليه بعدَ إسلامِه يَومُ سَبتٍ وجبَ العَملُ فيه؛ لأنَّا نَقولُ عندَ الِاستِثناءِ: إنَّه خارِجٌ عن عَقدِ الإجارةِ؛ فإنَّه لَو كانَ كذلك لَجَرَى في الإجارةِ خِلافٌ؛ كَإجارةِ العَقِبِ، ولَجازَ له أنْ يُؤجِّرَ نَفْسَه يَومَ السَّبتِ لِآخَرَ، وتَجويزُ ذلك بَعيدٌ؛ فإنَّه يَلزَمُ منه عَقدُ الإجارةِ على العَينِ لِشَخصَيْنِ، على الكَمالِ في مدَّةٍ واحِدةٍ، وكَلامُ الفُقهاءِ يَأباه، وصَرَّحوا بأنَّه إذا وَردَ عَقدٌ على عَينٍ لا يَجوزُ أنْ يُعقَدَ عليها مِثلُه، وهَكَذا نَقولُ في استِثْناءِ أوقاتِ الصَّلَواتِ ونَحوِها، لَيسَ مَعناه أنَّ تلك الأوقاتَ مُتخلِّلةٌ بينَ أزمانِ الإجارةِ؛ كَإجارةِ العَقِبِ، بَلْ يَقولُ في كلِّ ذلك: إنَّ مَنفَعةَ ذلك الشَّخصِ في جَميعِ تلك المدَّةِ مُستَحقَّةٌ لِلمُستَأجِرِ، مَملوكةٌ بمُقتَضَى العَقدِ، ومَعَ هذا يَجِبُ عليه تَوفيرُه مِنْ العَملِ في تلك الأوقاتِ، كَما أنَّ السَّيِّدَ يَستَحقُّ مَنفَعةَ عَبدِه في جَميعِ الأوقاتِ، ومَعَ ذلك يَجِبُ تَوفيرُه في أوقاتِ الصَّلَواتِ والرَّاحةِ باللَّيلِ ونَحوِها؛ فهذا هو مَعنَى الِاستِثناءِ، وهو استِثناءٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute