للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قولُهُ: لا يَنتقِصُ مِنْ المُسمَّى، ففيه إشكالٌ؛ لأنَّه قد صَحَّ مِنْ مَذهبِ أصحابِنا الثَّلاثةِ أنَّ الواجِبَ في الإجارةِ الفاسِدةِ بعدَ استِيفاءِ المَعقودِ عليه الأقَلُّ مِنْ المُسمَّى، ومِن أجْرِ المِثلِ إذا كانَ الأجْرُ مُسمًّى، وقَد قالَ في هذه المَسألةِ: إنَّه لا يَنقُصُ مِنْ المُسمَّى، مِنْ المَشايِخِ مَنْ قالَ: المَسألةُ مُؤَوَّلةٌ، تَأويلُها أنَّه لا يَنقُصُ مِنْ المُسمَّى إذا كانَ أجْرُ المِثلِ والمُسمَّى واحِدًا.

وَمِنهم مَنْ أجرَى الرِّوايةَ على الظَّاهِرِ، فقالَ: إنَّ العاقِدَيْنِ لَم يَجعَلَا المُسمَّى بمُقابَلةِ المَنافِعِ، حَيثُ شرطَ المُستَأجِرُ ألَّا يَسكُنَ، ولا بمُقابَلةِ التَّسليمِ؛ لِمَا ذَكَرْنا مِنْ أنَّه لا يَتحقَّقُ مع فسادِ العَقدِ، فإذا سَكَنَ فقَدِ استَوفَى مَنافِعَ لَيسَ في مُقابَلَتِها بَدَلٌ، فيَجِبُ أجْرُ المِثلِ بالِغًا ما بَلَغَ، كَما إذا لَم يُذكَرْ في العَقدِ تَسميةٌ أصْلًا، إلَّا أنَّه قالَ: لا يَنقُصُ مِنْ المُسمَّى؛ لأنَّ المُستَأجِرَ رَضيَ بالمُسمَّى بدُونِ الِانتِفاعِ، فعِندَ الِانتِفاعِ أَوْلَى.

وَلَو آجَرَه دارَه أو أرضَه أو عبدَه أو دَابَّتَه، وشرطَ تَسليمَ المُستَأجِرِ، جازَ؛ لأنَّ تَسليمَ المُستَأجِرِ مِنْ مُقتَضَياتِ العَقدِ، ألَا تَرى أنَّه يثبُتُ بدُونِ الشَّرطِ؛ فكانَ هذا شَرطًا مُقَرِّرًا مُقتَضَى العَقدِ، لا مُخالِفًا لَه، فصارَ كَما لَو أجَّرَه على أنْ يَملِكَ المُستَأجِرُ مَنفَعةَ المُستَأجِرِ.

وَلَو آجَرَ بشَرطِ تَعجيلِ الأُجرةِ، أو شرطَ على المُستَأجِرِ أنْ يُعطيَه بالأُجرةِ رَهنًا أو كَفيلًا، جازَ، إذا كانَ الرَّهنُ مَعلومًا، والكَفيلُ حاضِرًا، لأنَّ هذا شَرطٌ يُلائِمُ العَقدَ، وإنْ كانَ لا يَقتَضيه، كَما ذَكَرْنا في البُيوعِ؛ فيَجوزُ، كَما في بَيعِ العَيْنِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٩٤، ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>