للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَليلًا ولا كَثيرًا، ولَكِنْ يُفعَلُ فيه إنْ كانَ قَبَضَ أو لَم يَقبِضْ ما وصَفتُ لَكَ في ثَمنِ الخَمرِ (١).

وقالَ الشَّافعيَّةُ: ولا تَجوزُ الإجارةُ على المَنافِعِ المُحرَّمةِ، مِثلَ: أنْ يَستأجِرَ رَجُلًا لِيَحمِلَ له خَمرًا لِغَيرِ الإراقةِ؛ لِقَولِه : «لَعَنَ اللهُ الخَمر، وحامِلَها». وإذا كانَ حَملُها مُحرَّمًا قُلْنا: مَنفعَتُها مُحرَّمةٌ، فلَم يَجُزْ أخْذُ العِوَضِ عليها، كالمَيْتَةِ، والدَّمِ.

وإنِ استَأجَرَه على حَملِ خَمرٍ لِإراقَتِها صَحَّتِ الإجارةُ؛ لأنَّ إراقَتَها واجِبةٌ، وكذا حَملُ الخَمرِ المُحرَّمةِ فجائِزٌ، كنَقلِ المَيْتةِ إلى المَزبَلةِ.

وكما يَحرُمُ أخْذُ الأُجرةِ على المُحرَّمِ يَحرُمُ إعطاؤُها، إلا لِضَرورةٍ (٢).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : ولا يَجوزُ الِاستِئجارُ على حَملِ الخَمرِ لِمَنْ يَشرَبُها، ولا على حَملِ خِنزيرٍ ولا مَيْتةٍ لِذلك، وبِهَذا قالَ أبو يُوسفَ، ومُحمَّدٌ، والشافِعيُّ، وقالَ أبو حَنيفَةَ: يَجوزُ؛ لأنَّ العَملَ لا يَتعيَّنُ عليه، بدَليلِ أنَّه لَو حَمَلَه جازَ، ولأنَّه لَو قَصَدَ إراقَتَه أو طَرْحَ المَيْتةِ جازَ.

وقد رُوِيَ عن أحمدَ فيمَن حَمَلَ خِنزيرًا أو مَيْتةً أو خَمرًا لِنَصرانيٍّ: أكرَهُ أكْلَ كِرائِه، ولَكِنْ يُقضَى لِلجَمَّالِ بالكِراءِ، فإذا كانَ لِمُسلِمٍ فهو أشَدُّ.

قالَ القاضي : هذا مَحمولٌ على أنَّه استَأجَرَه لِيُرِيقَها، فأمَّا لِلشُّربِ فمَحذورٌ، ولا يَحِلُّ أخْذُ الأُجرةِ عليه، وهذا التَّأويلُ بَعيدٌ؛ لِقَولِهِ:


(١) «المدونة الكبرى» (١١/ ٤٢٤، ٤٢٥)، و «الإشراف» (٣/ ٢٢٢، ٢٢٣) رقم (١٠٧٢).
(٢) «البيان» (٧/ ٢٨٨، ٢٨٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٨٧، ٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>