وقالَ اللَّخميُّ ﵀: إنْ أكرَى بَيتَه أو دارَه مِمَّنْ يُصَلِّي فيهِما في أوقاتِ الصَّلَواتِ فقَط، كُرِهَ؛ لأنَّه لَيسَ مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ؛ فإنْ نَزَلَ مَضَى، وإنْ أخلَى البَيتَ وسَلَّمَه جازَ.
قالَ في «التَّنبيهات»: قولُه في الرجُلِ يَبني مَسجِدًا لِيُكريَه مِمَّنْ يُصَلِّي فيه، جازَ، وكَراهِيَتُه له في رِوايةِ ابنِ القاسِمِ، وكذلك الذي آجَرَ بَيتَه مِنْ قَومٍ لِيُصَلُّوا فيه؛ فلا يُعجِبُني، وهو كَمَنْ أكرَى المَسجِدَ. وقولُ غَيرِه في البَيتِ لا بَأْسَ باستِئجارِه يُصَلِّي فيه، وإجازَتُه كِراءَ الدَّارِ على أنْ تُتَّخَذَ مَسجِدًا بينَ هذه المَسائِلِ فَرقٌ، وأمَّا الذي بَنَى مَسجِدًا فأكَراه فلَو أباحَه لِلمُسلِمينَ لَكانَ حَبْسًا، لا حُكمَ فيه لَه، ولا لِأحَدٍ فيه، وإنْ كانَ لَم يُبِحْهُ؛ وإنَّما فعلَ ذلك لِيَكتَريَه، فليسَ مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ، وهو مَعنَى قَولِهِ -واللَّهُ أعلمُ- في كِراءِ المَسجِدِ: لا يَصلُحُ، وفي كِراءِ البَيتِ: لا يُعجِبُني، وأنَّه يَجوزُ له فِعلُه، كَما أجازَ إجارةَ المُصحَفِ، لَكنَّه لَيسَ مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ، وأفعالِ أهلِ الدِّينِ، وهذا مَعنَى مَنعِ مُحمَّدٍ عِندي لِإجارةِ المُصحَفِ، انتَهَى.
وَكذلك تُكرَهُ السُّكنَى فَوقَه بالأهلِ؛ لأنَّها إذا كانَتْ معه صارَ يَطَؤُها على ظَهرِ المَسجِدِ، وذلك مَكروهٌ، وأمَّا السُّكنَى فَوقَ ظَهرِ المَسجِدِ بغَيرِ أهلٍ فإنَّها جائِزةٌ، وكذلك السُّكنَى بالأهلِ تَحتَ المَسجِدِ، سَواءٌ بُنِيَ المَسجِدُ لِلكِراءِ أو لا (١).
(١) «الإشراف» (٣/ ٢٢٢) رقم (١٠٧١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٤٩، ٣٦١)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٠٤، ٤١٧)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٧٤)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١١، ٢٠)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٥٨، ٥٦٧)، وجاء في «المدونة» (١١/ ٤٢٣) (باب في إجارة المسجد): قُلتُ: أرَأيتَ إنْ بَنَى رَجُلٌ مَسجِدًا فأكَراه مِمَّنْ يُصَلِّي فيه؟ قالَ: لا يَصلُحُ هَذا في رَأْيِي؛ لِأنَّ المَساجِدَ لا تُبنَى لِلكِراءِ. قالَ: ولَقَد سُئِلَ مالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَبنِي المَسجِدَ، ثُمَّ يَبْنِي فَوقَه بَيتًا، قالَ: لا يُعجِبُني ذَلِكَ، وذَكَرَ مالِكٌ أنَّ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزيزِ كانَ يَثبُتُ على ظَهرِ المَسجِدِ بالمَدينةِ في الصَّيفِ، فكانَ لا يَقرَبُه فيه امرَأةٌ. قالَ مالِكٌ: وهَذا الَّذي يَبْنِي فَوقَ المَسجِدِ يُريدُ أنْ يَجعَلَه مَسكَنًا يَسكُنُ فيه بأهلِه، يُريدُ بذَلِكَ مالِكٌ أنَّه إذا كانَ بَيتًا وسَكَنَه كانَ مَعَه أهلُه، وصارَ يَطَؤُها على ظَهرِ المَسجِدِ، قالَ: وكَرِهَه مالِكٌ كَراهيةً شَديدةً. فيمَن آجَرَ بَيتَه لِيُصَلِّيَ فيهِ: قُلتُ: أرَأيتَ مَنْ آجَرَ بَيتَه مِنْ قَومٍ يُصَلُّونَ فيه في رَمَضانَ؟ قالَ: لا يُعجِبُني ذَلِكَ؛ لِأنَّ مَنْ أكرَى بَيتَه كَمَنْ أكرَى المَسجِدَ، فالإجارةُ فيه غَيرُ جائِزةٍ؛ لِأنَّ الإجارةَ في المَساجِدِ غَيرُ جائِزةٍ، ولَم أسمَعْ مِنْ مالِكٍ في هَذا شَيئًا، ولَكِنَّ مالِكًا كَرِه أنْ يُعطَى الرَّجُلُ أجرًا على أنْ يُصَلِّيَ بهم في رَمَضانَ. وَقَدْ قالَ غَيرُه: لا بَأْسَ بذَلِكَ في كِراءِ البَيتِ. قُلتُ: أرَأيتَ إنْ أكرَيْتُ دارًا لي علَىَ أنْ يَتَّخِذوها مَسجِدًا عَشْرَ سِنينَ؟ قالَ: ذَلِكَ جائِزُ. قُلتُ: فإذا مَضَتِ السِّنينُ العَشرُ؟ قالَ: إذا انقَضَتِ الإجارةُ رَجَعَتِ الدَّارُ إلى رَبِّها. قُلتُ: تَحفَظُه عَنْ مالِكٍ؟ قالَ: لا. قُلتُ: فإذا رَجَعَتِ الدَّارُ إلى رَبِّها لِمَنْ يَكونُ نَقضُ المَسجِدِ؟ قالَ: لِأهلِ النَّقضِ الَّذينَ اشتَرَوْه وبَنَوُا المَسجِدَ؛ فالنَّقضُ لَهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute