أصْلُه إذا استَأجَرَها لِتَكونَ مَجلِسًا لِلحُكمِ، وكَمَنَ دفعَ فَرَسَه لِمَنْ يَغزو به غَزوةً ثم يَرجِعُ إلَيهِ (١).
قالَ المالِكيَّةُ: يَجوزُ كِراءُ الأرضِ لِمَنْ يَتَّخِذُها مَسجِدًا مدَّةَ الإجارةِ؛ إذْ لا يُشترَطُ في الحَبسِ التَّأبيدُ، فإذا انقَضَتْ مدَّةُ الإجارةِ رَجعَ النَّقضُ لِمَنْ بَناه يَفعَلُ به ما شاءَ، وتَرجِعُ الأرضُ لِمالِكِها، فلَو أرادَ المالِكُ بَقاءَ البِناءِ في أرضِه على حالِه حَبْسًا، لَم يُجبَرْ بانيه على ذلك؛ إلَّا أنْ يَدفَعَ المالِكُ قِيمةَ النَّقضِ؛ فإنَّه يُجابُ، وليسَ لِلباني الِامتِناعُ حينئذٍ، ولَو أرادَ بانيه بَقاءَه على حالِه حَبْسًا لَم يُجبَرْ مالِكُ الأرضِ على ذلك، بخِلافِ مَنْ غَصَبَ أرضًا وبَنَى فيها مَسجِدًا، أو كانَت تَحتَ يَدِه أرضٌ بوَجْهِ شُبهةٍ، وبَنَى فيها مَسجِدًا، واستُحِقَّتِ الأرضُ بعدَ بِنائِها مَسجِدًا لِلَّهِ؛ فإنَّ النَّقضَ لا يَكونُ لِبَانِيهِ، ويَلزَمُه أنْ يَجعَلَه في مَسجِدٍ آخَرَ لِلَّهِ؛ لأنَّ البانيَ خَرجَ عنه لِلَّهِ على التَّأبيدِ؛ لأنَّه داخِلٌ على التَّأبيدِ.
والمُعتَمَدُ أنَّه لا يَجوزُ لِلرجُلِ أنْ يَبنيَ مَسجِدًا لِيُؤجِّرَه لِمَنْ يُصَلِّي فيه، أو يُؤجِّرَ بَيتَه لِمَنْ يُصَلِّي فيه، ويَأخُذَ الأُجرةَ على هَذا، وإجارَتُهما لِذلك غيرُ جائِزةٍ، لأنَّ ذلك لَيسَ مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ.
(١) «الإشراف» (٣/ ٢٢٢) رقم (١٠٧١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٤٩، ٣٦١)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٠٤، ٤١٧)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٧٤)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١١)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٥٨، ٥٦٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٩٩)، و «المغني» (٥/ ٣١٩)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٣٣)، و «المحرر في الفقه» (١/ ٣٥٦).