عن مَنعِه وعَما هو ذَريعةٌ إلى مَنعِه؛ لأنَّ صاحِبَ الماشيةِ إذا مُنِعَ مِنْ الماءِ لَم يَقدِرْ على القِيامِ على الرَّعْيِ، فإنْ جاءَ رَجُلانِ لِرَعْيِ كَلَأِ هذا المَوضِعِ معًا كانا فيه أُسوةً، واختُلِفَ إنْ سَبَقَ أحَدُهما إليه فنَزَلَه وجعلَ يَرعَى ما حَولَه، أو حَفَرَ فيه بِئرًا، هَلْ يَكونُ أحَقَّ بقَدْرِ حاجَتِه مِنْ كَلَأِ ذلك المَوضِعِ دونَ الفَضلِ أو لا، على ثَلاثةِ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّه لا يَكونُ أحَقَّ بشَيءٍ مِنْ كَلَئِه، والنَّاسُ معه فيه أُسوةٌ، وهو نَصُّ قَولِ ابنِ القاسِمِ، ورِوايَتُه عن مالِكٍ في كِتَابِ حَريمِ البِئرِ مِنْ المُدوَّنةِ.
والثَّاني: أنَّه يَكونُ أحَقَّ مِنْ النَّاسِ بقَدْرِ حاجَتِه مِنْ كَلَأِ ذلك المَوضِعِ الذي نَزَلَه، وجعلَ يَرعَى ما حَولَه، وإنْ لَم يَحتَفِرْ فيه بِئرًا، وهو قولُ أشهَبَ، فرَآه أحَقَّ بالسَّبقِ إلى ذلك المَوضِعِ والنُّزولِ فيه، ومَعناه: إذا انتَجَعَ إليه وقَصَدَه مِنْ بَعدِه، وأمَّا إذا مَرَّ به فنَزَلَه فلا يَكونُ لِمُجرَّدِ سَبْقِه إليه أحَقَّ بمِقدارِ حاجَتِه مِنْ كَلَئِه، واللَّهُ أعلمُ، وقَد تُؤُوِّلَ أنَّ قَولَ أشهَبَ لَيسَ مَعناهُ أنَّه جُعِلَ بمُجرَّدِ السَّبقِ إلى النُّزولِ في ذلك المَوضِعِ أحَقَّ مِنْ النَّاسِ بقَدْرِ حاجَتِه مِنْ كَلَئِه، وإنَّما مَعناه أنَّه جُعِلَ رَعيُه لِكَلَأِ ذلك المَوضِعِ إحياءً لَهُ؛ لأنَّه لَمَّا رَعاه صارَ له عليه يَدٌ، فيَكونُ أحَقَّ بما يَحدُثُ فيه مِنْ الكَلَأِ مَرَّةً أُخرَى، إلَّا أنْ يَفضُلَ عن حاجَتِه منه فَضلٌ، فيَكونَ النَّاسُ في الفَضلِ أُسوةً، ولا اختِلافَ في الفَضلِ على حالٍ.
والقولُ الثَّالث: أنَّه لا يَكونُ أحَقَّ بقَدْرِ حاجَتِه مِنْ كَلَأِ ذلك المَوضِعِ الذي سَبَقَ إليه بالنُّزولِ، وإنْ رَعاهُ، إلَّا أنْ يَحفِرَ فيه بِئرًا، فيَكونَ أحَقَّ بقَدْرِ