المَشيَخةِ أنَّ النَّبيَّ ﷺ نَهَى عن بَيعِ الماءِ إلَّا ما حُمِلَ منه.
وعَلَى ذلك مَضَتِ العادةُ في الأمصارِ ببَيعِ الماءِ في الرَّوايا والحَطَبِ والكَلَأِ، مِنْ غيرِ نَكيرٍ، وليسَ لِأحَدٍ أنْ يَشرَبَ منه ولا أنْ يَتوضَّأَ، ولا يَأخُذَ إلَّا بإذْنِ مالِكِه.
وَكذلك لَو وَقَفَ على بِئرٍ مُباحةٍ فاستَقى بدَلْوِه، أو بدُولابٍ، أو نَحوِه، فما يُرَقِّيه مِنْ الماءِ فهو مِلْكُه، ولَه بَيعُهُ؛ لأنَّه مِلْكُه، يَأخُذُه في إنائِه.
قالَ أحمَدُ ﵀: إنَّما نَهَى عن بَيعِ فَضْلِ ماءِ البِئرِ، والعُيونِ، في قَرارِه.
وَيَجوزُ بَيعُ البِئرِ نَفْسِها والعَينِ، ومُشتَريها أحَقُّ بمائِها، وقَد رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: مَنْ يَشتَري بِئرَ رُومةَ يُوسِّعُ بها على المُسلِمينَ، ولَه الجَنَّةُ. أو كَما قالَ، فاشتَراها عُثمانُ بنُ عَفَّانَ مِنْ يَهوديٍّ بأمْرِ النَّبيِّ ﷺ، وسَبَّلَها لِلمُسلِمينَ، وكانَ اليَهوديُّ يَبيعُ ماءَها، ورُوِيَ أنَّ عُثمانَ اشترَى منه نِصْفَها باثنَيْ عَشَرَ الفًا، ثم قالَ اليَهوديُّ: اختَرْ إمَّا أنْ تَأخُذَها يَومًا وآخُذَها أنا يَومًا، وإمَّا أنْ نَنصِبَ لَكَ عليها دَلْوًا وأنْصِبَ عليها دَلْوًا. فاختارَ يَومًا ويَومًا؛ فكانَ النَّاسُ يَستَقونَ مِنها في يَومِ عُثمانَ لِيَومَيْنِ، فقالَ اليَهوديُّ: أفسَدْتَ عَلَيَّ بِئري؛ فاشتَرِ باقيَها. فاشتَراه بثَمانيةِ آلافٍ، وفي هذا دَليلٌ على صِحَّةِ بَيعِها وتَسبيلِها، وصِحَّةِ بَيعِ ما يَستَقيه مِنها، وجَوازِ قِسمةِ مائِها بالمُهايَأةِ، وكَونِ مالِكِها أحَقَّ بمِثلِها، وجَوازِ قِسمةِ ما فيه حَقٌّ وليسَ بمَملوكٍ (١).
(١) «المغني» (٤/ ٧١)، و «المبدع» (٤/ ٢٢)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٩١)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٢٤).