فَإنْ أجَّرَتْ نَفْسَها أو أجَّرَها وَلِيُّها لِصِغَرِها مثلًا، ثم تَزوَّجَتْ، صَحَّ عَقدُ الإجارةِ، ولَم يَملِكِ الزَّوجُ فَسخَ الإجارةِ، ولا يَمنَعُها مِنْ الرَّضاعةِ حتى تَنقَضيَ المدَّةُ؛ لأنَّ مَنافِعَها مُلِّكَتْ بعَقدٍ سابِقٍ على نِكاحِه، أشبَهَ ما لَوِ اشترَى أَمَةً مُستَأجَرةً، أو دارًا مُستَعارةً بما يَطولُ نَقلُه مِنها.
فَإذا نامَ الصَّبيُّ الذي استُؤجِرَتْ لِرَضاعِه أو شُغِلَ، فلِلزَّوجِ الِاستِمتاعُ بها؛ لِزَوالِ المُعارِضِ لِحَقِّه، وليسَ لِوَليِّ الصَّبيِّ مَنعُ الزَّوجِ مِنْ الِاستِمتاعِ بها، ولِلزَّوجِ الِاستِمتاعُ بزَوجَتِه المُؤجَّرةِ لِرَضاعٍ، ولَو أضَرَّ اللَّبنَ؛ لأنَّ وَطءَ الزَّوجِ مُستحَقٌّ بعَقدِ التَّزويجِ؛ فلا يَسقُطُ بأمْرٍ مَشكوكٍ فيه، كَما لَو أذِنَ فيه الوَلِيُّ.
وَلا يَملِكُ الزَّوجُ فَسخَ النِّكاحِ مع جَهلِه بكَونِها مُؤجَّرةً.
وَلا يُقبَلُ قولُ مَنْ تَزوَّجَتْ، ثم ادَّعَتْ أنَّها أجَّرَتْ نَفْسَها قبلَ عَقدِ النِّكاحِ في حَقِّ الزَّوجِ بلا بيِّنةٍ؛ لأنَّها مُتهَمةٌ، والأصْلُ عَدَمُ ما تَدَّعيه، وكَذا لا يُقبَلُ قولُها بلا بيِّنةٍ، بعدَ أنْ أجَّرتْ نَفْسَها في بُطلانِ الإجارةِ (١).
وقالَ الحَنفيَّةُ: يَصحُّ استِئجارُ الظِّئرِ بأُجرةٍ مَعلومةٍ؛ لِقَولِه تَعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، وعليه إجماعُ الأُمَّةِ، وقد جَرَى التَّعامُلُ به في الأعصارِ مِنْ غيرِ نَكيرٍ.
(١) «المبدع» (٧/ ٢٠٣، ٢٠٤)، و «الإنصاف» (٨/ ٣٦٢، ٣٦٣)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٦١)، و (٥/ ٢٢١، ٢٢٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٨)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٦١١)، و (٥/ ٢٧٢)، و «الروض المربع» (٢/ ٣٤٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute