للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ رُشْدٍ : لَوِ استَأجَرَ السَّلاخَ بالجِلدِ، والطَّحَّانَ بالنُّخالةِ، أو بِصاعٍ مِنْ الدَّقيقِ … هذا على مَذهبِ مالِكٍ جائِزٌ؛ لأنَّه استَأجَرَه على جُزءٍ مِنْ الطَّعامِ مَعلومٍ، وأُجرةُ الطَّحَّانِ ذلك الجُزءُ، وهو مَعلومٌ أيضًا (١).

هَذا ما نقلَه ابنُ رُشدٍ على مَذهبِ مالِكٍ، والمَشهورُ خِلافُه، كَما تَقدَّمَ، إلَّا أنْ يُحمَلَ كَلامُه على ما لَوِ استَأجَرَه بكَيلٍ مَعلومٍ مِنْ النُّخالةِ، بأنْ يَقولَ لِلطَّحَّانِ: اطحَنْه ولَكَ صاعٌ مِنْ النُّخالةِ لَجازَ، كَما لَوِ استَأجَرَه بجِلدٍ مَسلوخٍ مَعلومٍ على أنْ يَسلَخَ له شاةً، كَما سَبَقَ مِنْ قَولِ المالِكيَّةِ، وهو أيضًا مَذهَبُ الحَنابِلةِ، كَما سَبَقَ، وكَمَا سَيأتي.

قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ : وأمَّا الذين قالوا: لا يَجوزُ ذلك إجارةً؛ لِنَهيِه عن قَفيزِ الطَّحَّانِ؛ فيُقالُ: هذا الحَديثُ باطِلٌ لا أصْلَ لَه، وليسَ هو في شَيءٍ مِنْ كُتُبِ الحَديثِ المُعتَمَدةِ، ولا رَواهُ إمامٌ مِنْ الأئِمَّةِ، والمَدينةُ النَّبَويةُ لَم يكُنْ بها طَحَّانٌ يَطحَنُ بالأُجرةِ، ولا خَبَّازٌ يَخبِزُ بالأُجرةِ.

وَأيضًا فأهلُ المَدينةِ لَم يكُنْ لَهم على عَهدِ النَّبيِّ مِكيالٌ يُسَمَّى القَفيزَ؛ وإنَّما حَدَثَ هذا المِكيالُ لَمَّا فُتِحَتِ العِراقُ، وضُرِبَ عليها الخَراجُ؛ فالعِراقُ لَم تُفتَحْ على عَهدِ النَّبيِّ ، وهذا وغَيرُه ما يُبَين أنَّ هذا لَيسَ مِنْ كَلامِ النَّبيِّ ، وإنَّما هو مِنْ كَلامِ بَعضِ العِراقِيِّينَ الذين لا يُسَوِّغونَ مثلَ هَذا، قَولًا باجتِهادِهم، والحَديثُ لَيسَ فيه


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>