العِوَضَ مَجهولٌ مَعدومٌ، ولا يَدري أيُوجَدُ أم لا، والأصْلُ عَدَمُه، ولا يَصلُحُ أنْ يَكونَ ثَمنًا، فإنْ قيلَ: فقَد جَوَّزتُم دَفعَ الدَّابَّةِ إلى مَنْ يَعمَلُ عليها بنِصفِ رِبحِها قُلْنا: إنَّما جازَ ثَم؛ تَشبيهًا بالمُضارَبةِ؛ لأنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعَملِ؛ فجازَ اشتِراطُ جُزءٍ مِنْ النَّماءِ والمُساقاةِ؛ كالمُضارَبةِ، وفي مَسألَتِنا لا يُمكِنُ ذلك؛ لأنَّ النَّماءَ الحاصِلَ في الغَنَمِ لا يَقِفُ حُصولُه على عَملِه فيها، فلَم يُمكِنْ إلحاقُه بذلك، وإنِ استَأجَرَه على رِعايَتها مدَّةً مَعلومةً بنِصفِها أو جُزءٍ مَعلومٍ مِنها، صَحَّ؛ لأنَّ العَملَ والأجْرَ والمدَّةَ مَعلومةٌ، فصَحَّ، كَما جُعِلَ الأجْرُ دَراهِمَ، ويَكونُ النَّماءُ الحاصِلُ بَينَهما بحُكمِ المِلْكِ؛ لأنَّه ملكَ الجُزءَ المَجعولَ له مِنها في الحالِ، فيَكونُ له نَماؤُه، كَما لَوِ اشتَراهُ (١).
قالَ الحَنفيَّةُ: والجُملةُ في ذلك لِمَنْ أرادَ الجَوازَ أنْ يَشتَرِطَ صاحِبُ الحِنطةِ قَفيزًا مِنْ الدَّقيقِ الجَيِّدِ؛ لأنَّ الدَّقيقَ إذا لَم يكُنْ مُضافًا إلى حِنطةٍ بعَينِها يَجِبُ في الذِّمةِ، والأجْرُ كَما يَجوزُ أنْ يَكونَ عَينًا مُشارًا إلَيه، يَجوزُ أنْ يَكونَ فيها في الذِّمةِ، ثم إذا جازَ يَجوزُ أنْ يُعطِيَه رُبُعُ دَقيقِ هذه الحِنطةِ إنْ شاءَ، وإنَّما شُرِطَ أنْ يُقالَ: رُبُعُ هذه الحِنطةِ مِنْ الدَّقيقِ الجَيِّدِ؛ لِيَكونَ الأجْرُ مَعلومَ القَدْرِ.
وَلَو استَأجَرَ حانوتًا بنِصفِ ما يَربَحُ فيه فالإجارةُ فاسِدةٌ، وكانَ على المُستَأجِرِ أجْرُ مِثلِ الحانوتِ، وإنَّما فَسَدَتِ الإجارةُ إمَّا لأنَّ ما يُربَحُ
(١) «المغني» (٥/ ٢٥٥، ٢٥٦)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٤٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ١٠، ١٥)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٥٩٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute