وقالَ الحَنابِلةُ: لا يَصحُّ استِئجارُ دَابَّةٍ بعَلَفِها فقَطْ، أو مع نَحوِ دَراهِمَ مَعلومةٍ؛ لأنَّه مَجهولٌ، ولا عُرفَ له يُرجَعُ إلَيه، فإنْ وَصَفَه مِنْ مُعيَّنٍ، كَشَعيرٍ، وقدَّرَه بمَعلومٍ، جازَ، ولا يَصحُّ استِئجَارُ رَجُلٍ لِيَسلَخَ له بَهيمةً بجِلدِها؛ لأنَّه لا يُعلَمُ هَلْ يَخرُجُ الجِلدُ سَليمًا أو لا، وهَل هو ثَخينٌ أو رَقيقٌ، ولأنَّه لا يَجوزُ أنْ يَكونَ ثَمنًا في البَيعِ؛ فلا يَجوزُ أنْ يَكونَ عِوَضًا في الإجارةِ كَسائِرِ المَجهولاتِ؛ فإنْ سَلَخَه بذلك فلَه أجْرُ مِثلِه، وإنِ استَأجَرَه لِطَرحِ مَيْتةٍ بجِلدِها فهو أبلَغُ في الفَسادِ؛ لأنَّ جِلدَ المَيْتةِ نَجِسٌ، لا يَجوزُ بَيعُه، وقَد خَرجَ بمَوتِه عن كَونِه مِلْكًا، وإنْ فعلَ فلَه أجْرُ مِثلِه أيضًا.
وَلا يَصحُّ استِئجارُه على طَحنِ كُرٍّ بقَفيزٍ مِنه، أيِ: المَطحونِ؛ لِحَديثِ الدَّارَقُطْنِيِّ مَرفوعًا: أنَّه ﷺ نَهَى عن عَسْبِ الفَحلِ وعَن قَفيزِ الطَّحَّانِ، ولأنَّه جعلَ له بَعضَ مَعمولِه أجرًا لِعَملِه؛ فيَصيرُ الطَّحنُ مُستَحقًّا له وعليه، ولأنَّ البقيَّةَ بعدَ القَفيزِ وهو مَطحونٌ لا يَدري كم هي، فتَكونُ المَنفَعةُ مَجهولةً، ولَوِ استَأجَرَه بجُزءٍ مَشاعٍ منه كَسُدُسِه، يَصحُّ.
وَلَوِ استَأجَرَ راعيًا لِغَنَمٍ بثُلُثِ دَرِّها ونَسْلِها وصُوفِها وشَعرِها، أو نِصفِه أو جَميعِه لَم يَجُزْ، لأنَّ الأجرَ غيرُ مَعلومٍ، ولا يَصلُحُ عِوَضًا في البَيعِ، وقالَ إسماعيلُ بنُ سَعيدٍ: سَألتُ أحمدَ عن الرجُلِ يَدفَعُ البَقَرةَ إلى الرجُلِ على أنْ يَعلِفَها ويَتحَفَّظَها وما وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ بَينَهما، فقالَ: أكرَهُ ذلك، وبِه قالَ أبو أيُّوبَ، وأبو خَيثَمةَ، قالَ ابنُ قُدامةَ: ولا أعلَمُ فيه مُخالِفًا، وذلك لأنَّ