للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوُجودِ؛ لأنَّه غيرُ واجِبٍ في الذِّمةِ؛ لأنَّه إنَّما يَجِبُ في الذِّمةِ ما له وُجودٌ في العالَمِ، والبَدَلُ في المُعامَلاتِ يَجِبُ أنْ يَكونَ مَوجودًا حَقيقةً، كالعَينِ، أو حُكمًا، كالثَّمنِ.

فَضابِطُ ما يُبطِلُ أنْ تُجعَلَ الأُجرةُ شَيئًا يَحصُلُ بعَملِ الأجيرِ.

قالَ الحَنفيَّةُ: إذا استَأجَرَ رَجُلًا لِيَطحَنَ له قَفيزًا مِنْ حِنطةٍ برُبُعٍ مِنْ دَقيقِها، أو لِيَعصِرَ له قَفيزًا مِنْ سِمسِمٍ بجُزءٍ مَعلومٍ مِنْ دُهنِه، أنَّه لا يَجوزُ؛ لأنَّ الأجيرَ يَنتفِعُ بعَملِه مِنْ الطَّحنِ والعَصرِ، فيَكونُ عامِلًا لِنَفْسِه، وقَد رُوِيَ عن رَسولِ اللَّهِ أنَّه نَهَى عن قَفيزِ الطَّحَّانِ.

وَلَو دفعَ إلى حائِكٍ غَزلًا لِيَنسِجَه بالنِّصفِ؛ فالإجارةُ فاسِدةٌ، لأنَّ الحائِكَ يَنتفِعُ بعَملِه، وهو الحِياكةُ، وكَذا هو في مَعنَى قَفيزِ الطَّحَّانِ؛ فكانَ الِاستِئجارُ عليه مَنهيًّا.

والمَعنَى فيه: أنَّ المُستَأجِرَ عاجِزٌ عن تَسليمِ الأجْرِ؛ لأنَّه بَعضُ ما يَخرُجُ مِنْ عَملِ الأجيرِ، والقُدرةُ على التَّسليمِ شَرطٌ لِصِحَّةِ العَقدِ، وهو لا يَقدِرُ بنَفْسِه، وإنَّما يَقدِرُ بغَيرِه؛ فلا يُعَدُّ قادِرًا، ففَسَدَ، ولأنَّه جعلَ الأجرَ شَيئًا لا يُمكِنُ تَسليمُه إلَّا بعَملِ الأجيرِ العَملَ الذي يَجِبُ عليه بحُكمِ العَقدِ، فتَكونُ القُدرةُ التي هي شَرطُ العَقدِ قائِمةً بحُكمِ العَقدِ، فتَصيرُ بمَنزِلةِ حُكمِ العَقدِ، والشَّرطُ لا يَصلُحُ حُكمًا، فكَذا لا يَصلُحُ قائِمًا به، فإذا نَسَجَ أو حَمَلَ فلَه أجْرُ مِثلِه، لا يُجاوِزُ به المُسمَّى.

وَكانَ مَشايِخُ بَلْخَ؛ كَمُحمَّدِ بنِ سَلَمةَ، ونَصرِ بنِ يَحيَى، والنَّسَفيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>