فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، الحَنفيَّةُ -في المَذهبِ- والمالِكيَّةُ -في المَشهورِ- والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يُشترَطُ في الأُجرةِ ألَّا تَكونَ جُزءًا مِنْ المَعقودِ عليه، فلا يَصحُّ استِئجارُ سَلَّاخٍ لِيَسلَخَ الشَّاةَ بالجِلدِ الذي عليها، ولا طَحَّانٍ على أنْ يَطْحَنَ البُرَّ مثلًا ببَعضِ الدَّقيقِ مِنه؛ كَرُبُعِه، أو بالنُّخالةِ مِنه؛ لِلجَهلِ بثَخانةِ الجِلدِ، وبِقَدرِ الدَّقيقِ والنُّخالةِ، ولِعَدَمِ القُدرةِ على الأُجرةِ حالَّةً، وكَذا لَو دفعَ سِمسِمًا إلى رَجُلٍ على أنْ يَعصِرَه له برِطْلٍ مِنْ دُهنِه، فهو فاسِدٌ أيضًا، وكَذا لَو دفعَ الغَزلَ إلى حائِكٍ لِيَنسِجَه بالنِّصفِ، فهو فاسِدٌ؛ لأنَّه في مَعنَى قَفيزِ الطَّحَّانِ، وكذلك حَمْلُ الطَّعامِ في سَفينةٍ، أو استَأجَرَ دَابَّةً لِيَحمِلَ عليها طَعامًا بقَفيزٍ مِنه، فهو فاسِدٌ؛ لأنَّه جعلَ الأجرَ بَعضَ ما يَخرُجُ مِنْ عَملِه.
واستَدَلُّوا على ذلك بما رُوِيَ عن النَّبِيِّ ﷺ«أنَّه نَهَى عن عَسْبِ الفَحْلِ، وعَنْ قَفيزِ الطَّحَّانِ»(١).
صُورةُ قَفيزِ الطَّحَّانِ: أنْ يَستَأجِرَ الرجُل مِنْ آخَرَ ثَورًا لِيَطحَنَ به الحِنطةَ على أنْ يَكونَ لِصاحِبِه قَفيزٌ مِنْ دَقيقِها، أو يَستَأجِرَ إنسانًا لِيَطحَنَ له الحِنطةَ بنِصفِ دَقيقِها، أو ثُلُثِه أو رُبُعِه، أو ما أشبَهَ ذلك، وذلك فاسِدٌ؛ لأنَّه مَنهِيٌّ عَنه.
والمَعنَى فيهِ: أنَّه جعلَ الأجْرَ شَيئًا مَعدومًا؛ لأنَّه جعلَ الأجْرَ بَعضَ الدَّقيقِ الذي يَخرُجُ مِنْ عِلمِه، وأنَّه مَعدومٌ في الحالِ حَقيقةً، وليسَ له حُكمُ