للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِقَولِه : «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قبلَ أَنْ يَجِفَّ عَرقُهُ» (١). وذلك حَثٌّ على تَعجيلِها وَقتَ استِحقاقِها، ومَنْعِ تَأخيرِها عَنه، فلَو كانَتْ مُستَحقَّةً بمُجرَّدِ العَقدِ لَكانَ أمرًا بتَأخيرِها، وذلك يُنافي المَقصودَ بالخَبَرِ؛ لأنَّه جعلَ أوَّلَ أوقاتِ المُسارَعةِ بعدَ الفَراغِ مِنْ العَملِ قبلَ جُفوفِ العَرقِ، فدَلَّ على أنَّ أوَّلَ وَقتِ الوُجوبِ هَذا.

وَلأنَّه عِوَضٌ في عَقدِ مُعاوَضةٍ مَحضةٍ، فلَم يَلزَمْ تَسليمُه بمُجرَّدِ العَقدِ دونَ تَسليمِ المَعقودِ عليه، كالأثمانِ بالبُيوعاتِ.

قالَ الحَنفيَّةُ: الأُجرةُ لا تُملَكُ بالعَقدِ نَفسِه، ولا يَجِبُ تَسليمُها به، عَينًا كانَ أو دَيْنًا؛ فإنْ عُقِدَ مُطلَقًا فالحُكمُ يثبُتُ في العِوَضَيْنِ في وَقتٍ واحِدٍ، فيثبُتُ المِلْكُ لِلمُؤاجِرِ في الأُجرةِ وَقتَ ثُبوتِ المِلْكِ لِلمُستَأجِرِ في المَنفَعةِ، ويثبُتُ شَيئًا فشَيئًا على حَسَبِ حُدوثِ مَحَلِّه، وهو المَنفَعةُ؛ لأنَّها تَحدُثُ شَيئًا فشَيئًا؛ لأنَّ المُعاوَضةَ المُطلَقةَ إذا لَم يَثبُتِ المِلْكُ فيها في أحَدِ العِوَضَيْنِ لا يثبُتُ في العِوَضِ الآخَرِ؛ إذْ لَو ثبَتَ لا يَكونُ مُعاوَضةً حَقيقةً؛ لأنَّه لا يُقابِلُه عِوَضٌ، ولأنَّ المُساواةَ في العُقودِ المُطلَقةِ مَطلوبُ العاقِدَيْنِ، ولا مُساواةَ إذا لَم يَثبُتِ المِلْكُ في أحَدِ العِوَضَيْنِ، والمِلْكُ لَم يَثبُتْ في أحَدِ العِوَضَيْنِ، وهو مَنافِعُ المدَّةِ؛ لأنَّها مَعدومةٌ حَقيقةً، فلا تَثبُتُ في الأُجرةِ في الحالِ تَحقيقًا لِلمُعاوَضةِ المُطلَقةِ.

وَإنَّما تُملَكُ بأحَدِ مَعانٍ ثَلاثةٍ؛ إمَّا بالتَّعجيلِ، أو بشَرطِ التَّعجيلِ، أو باستِيفاءِ ما يُقابِلُه.


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: أخرَجه ابن ماجه (٢٤٤٣)، والقُضاعي (١/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>