للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلأنَّ الأجيرَ إنَّما يُوَفَّى أجْرَه إذا قَضَى عَملَه؛ لأنَّه عِوَضٌ فلا يُستحَقُّ تَسليمُه إلَّا مع تَسليمِ المُعوَّضِ، كالصَّداقِ والثَّمنِ، وفارَقَ الإجارةَ على الأعيانِ؛ لأنَّ تَسليمَها أُجريَ مَجرَى تَسليمِ نَفْعِها، ومتى كانتْ على عَملٍ في الذِّمةِ لَم يَحصُلْ تَسليمُ المَنفَعةِ، ولا يَقومُ مَقامَها، فيَتَوَقَّفُ استِحقاقُ تَسليمِ الأجْرِ على تَسليمِ العَملِ؛ فإنْ عَمِلَ بَعضَه فلَه أُجرةُ المِثلِ لِمَا عَمِلَ، وقيلَ: إنْ كانَ مَعذورًا في تَركِ العَملِ وإلَّا احتَمَلَ وجهيْنِ، وقالَ ابنُ أبي موسَى: مَنِ استُؤجِرَ لِعَملٍ مَعلومٍ استَحقَّ الأجرَ عندَ إيفاءِ العَملِ، وإنِ استُؤجِرَ: كلُّ يَومٍ بأُجرةٍ مَعلومةٍ فلَه أجْرُ كلِّ يَومٍ عندَ تَمامِهِ (١).

وذَهَبَ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ -وسيَأْتي تَفصيلُ المالِكيَّةِ- إلى أنَّ الأُجرةَ لا تَجِبُ بالعَقدِ نَفْسِه، ولا بتَسليمِ العَينِ المُستَأْجَرةِ، وإنَّما تُستحَقُّ الأُجرةُ أوَّلًا بأوَّلٍ، شَيئًا فَشيَئًا.

لِقَولِ النَّبِيِّ : «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُم يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثم غَدَرَ، وَرجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمنَهُ، وَرجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى منه ولَم يُؤْتِه أُجْرَتَهُ» (٢).

ففيه دَليلٌ على أنَّ الأجْرَ لا يُملَكُ بالعَقدِ نَفْسِه؛ لأنَّه ألحَقَ الوَعيدَ به، بمَنعِ الأجْرِ بعدَ العَملِ، فلو كانَ الأجْرُ يَجِبُ تَسليمُه بالعَقدِ نَفْسِه لَمَا شرطَ استِيفاءَ العَملِ لِذِكْرِ الوَعيدِ على مَنْعِ الأجْرِ.


(١) «المغني» (٥/ ٢٥٦، ٢٥٧)، و «الكافي» (٢/ ٣١١)، و «المبدع» (٥/ ١١٦)، و «الإنصاف» (٦/ ٨١).
(٢) رواه البخاري (٢٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>