للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ثبَتَ بما ذَكَرْنا مِنْ الشَّواهِدِ أنَّ المَنافِعَ في حُكمِ المَقبوضةِ بالتَّمكينِ لَزِمَ تَسليمُ ما في مُقابَلَتِها مِنْ الأُجرةِ.

فَإن قيلَ: فلِمَ جَعَلتُمُ المَنافِعَ مَقبوضةً حُكمًا، وإنْ لَم يَكُنِ القَبضُ مُستقِرًّا، وجَعَلتُمُ الأُجرةَ مَقبوضةً قَبضًا مستقِرًّا؟

قيلَ: لأنَّه لَيسَ يُمكِنُ أنْ تَكونَ الأُجرةُ مَقبوضةً حُكمًا، فجَعَلْنا القَبضَ فيها مُستقِرًّا، ولا يُمكِنُ في المَنافِعِ أنْ يَكونَ القَبضُ فيها مُستقِرًّا فجَعَلناه حُكمًا على أنَّهما سَواءٌ؛ لأنَّ مَعنَى قَولِنا: إنَّ المَنافِعَ مَقبوضةٌ حُكمًا، أنَّه قد يَتصرَّفُ في الدَّارِ، وإنْ جازَ أنْ يَزولَ مِلْكُه عن مَنافِعِها بالهَدمِ، كذلك الأُجرةُ قد يَتصرَّفُ فيها المُؤجِّرُ، وإنْ جازَ أنْ يَزولَ مِلْكُه عَنها بالهَدمِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: إنْ أطلَقَ العَقدَ وَجَبتْ به حالَّةً، ويَجِبُ تَسليمُها بتَسليمِ العَينِ؛ لأنَّها عِوَضٌ في مُعاوَضةٍ، فتُستحَقُّ بمُطلَقِ العَقدِ؛ كالثَّمنِ.

وإنْ كانَتِ الإجارةُ على عَملٍ في الذِّمةِ استُحِقَّ استِيفاءُ الأُجرةِ عندَ انقِضاءِ العَملِ، ولا يَجِبُ تَسليمُ الأُجرةِ، وإنْ وجبَتْ بالعَقدِ، وعلى هذا وَردتِ النُّصوصُ؛ كقولِ النَّبِيِّ : «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قبلَ أَنْ يَجِفَّ عَرقُهُ» (٢).


(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٣٩٦، ٣٩٧)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٦، ٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٨٢)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣٢١، ٣٢٢)، و «الديباج» (٢/ ٤٥٦، ٤٥٧)، و «حاشية قليوبي وعميرة على كنز الراغبين» (٣/ ١٦٥، ١٦٦)، و «المغني» (٥/ ٢٥٦، ٢٥٧).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: أخرَجه ابن ماجه (٢٤٤٣)، والقُضاعي (١/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>