للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الشافِعيَّةُ: يُشترَطُ كَونُ الأُجرةِ التي في الذِّمةِ مَعلومةً جِنسًا وقَدْرًا وصِفةً؛ كالثَّمنِ في البَيعِ، فإنْ كانَتْ مُعيَّنةً كَفَتْ مُشاهَدَتُها إنْ كانَتْ على مَنفَعةٍ مُعيَّنةٍ، أو في الذِّمةِ، فلا يَصحُّ استِئجارُ الدَّارِ مثلًا بالعِمارةِ، كأجَّرتُكَها بما تَحتاجُ إليه مِنْ عِمارةٍ، أو بدِينارٍ مثلًا، تَعمُرُها بهِ؛ لأنَّ العَملَ بَعضُ الأُجرةِ، وهو مَجهولٌ، فتَصيرُ الأُجرةُ مَجهولةً، فإنْ أجَّرَه الدَّارَ بدَراهِمَ مَعلومةٍ بلا شَرطٍ، وأذِنَ له في صَرفِها في العِمارةِ مِنْ غيرِ شَرطٍ، صَحَّ.

وَلا يَصحُّ أيضًا إجارةُ دابَّةٍ شَهرًا مثلًا بنَحوِ العَلَفِ، كَرِياضَتِها، لِلجَهالةِ، ولا يَصحُّ أيضًا استِئجارُ سَلَّاخٍ لِيَسلَخَ الشَّاةَ بالجِلدِ الذي عليها، ولا طَحَّانٍ على أنْ يَطحَنَ البُرَّ مثلًا ببَعضِ الدَّقيقِ منه كَرُبُعِه، أو بالنُّخالةِ مِنه؛ لِلجَهلِ بثَخانةِ الجِلدِ وبِقَدْرِ الدَّقيقِ والنُّخالةِ، ولِعَدَمِ القُدرةِ على الأُجرةِ حالَّةً، فضابِطُ ما يُبطِلُ أنْ تُجعَلَ الأُجرةُ شَيئًا يَحصُلُ بعَملِ الأجيرِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: يُشترَطُ مَعرِفةُ الأُجرةِ بما يَحصُلُ به مَعرِفةُ الثَّمنِ قياسًا عليه، ويُعتبَرُ العِلمُ بالرُّؤيةِ أو بالصِّفةِ؛ كالبَيعِ، سَواءً، فإنْ كانَ العِوَضُ مَعلومًا بالمُشاهَدةِ دونَ القَدْرِ، كالصُّبرةِ، احتَمَلَ وجهيْنِ، أشبَهُهُما الجَوازُ، وهو المَذهَبُ؛ لأنَّه عِوَضٌ مَعلومٌ يَجوزُ به البَيعُ، فجازَتْ به الإجارةُ، كَما لَو عَلِمَ قَدْرَه.


(١) «المهذب» (١/ ٣٩٩)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٦، ٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٨٣)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣٢٤)، و «الديباج» (٢/ ٤٥٨)، و «حاشية قليوبي وعميرة على كنز الراغبين» (٣/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>