والآخَرُ: لا يَجوزُ؛ لأنَّه قد يَنفَسِخُ العَقدُ بعدَ تَلَفِ الصُّبرةِ؛ فلا يَدري بكَمْ يَرجِعُ، فاشتُرِطَ مَعرِفةُ قَدْرِه، كَعِوَضِ السَّلمِ فيه، والأولُ أوْلَى، وظاهِرُ كَلامِ الخِرَقيِّ أنَّ العِلمَ بالقَدْرِ في عِوَضِ السَّلمِ لَيسَ بشَرطٍ، ثم الفَرقُ بَينَهما أنَّ المَنفَعةَ ههُنا أُجريتْ مَجرَى الأعيانِ؛ لأنَّها مُتعلِّقةٌ بعَينٍ حاضِرةٍ، والمُسلِمُ يَتعَلَّقُ بمَعدومٍ؛ فافتَرقا.
وَكلُّ ما جازَ ثَمنًا في البَيعِ جازَ عِوَضًا في الإجارةِ؛ لأنَّه عَقدُ مُعاوَضةِ أشبَهَ البَيعَ؛ فعلى هذا يَجوزُ أنْ يَكونَ العِوَضُ عَينًا ومَنفَعةً.
وَلَوِ استَأجَرَ رَجُلًا لِيَسلَخَ له بَهيمةً بجِلدِها، لَم يَجُزْ؛ لأنَّه لا يَعلَمُ هَلْ يَخرُجُ الجِلدُ سَليمًا أو لا، وهَل هو ثَخينٌ أو رَقيقٌ، ولأنَّه لا يَجوزُ أنْ يَكونَ ثَمنًا في البَيعِ؛ فلا يَجوزُ أنْ يَكونَ عِوَضًا في الإجارةِ، كَسائِرِ المَجهولاتِ؛ فإنْ سَلَخَه بذلك فلَه أجْرُ مِثلِه، وإنِ استَأجَرَه لِطَرحِ مَيْتةٍ بجِلدِها فهو أبلَغُ في الفَسادِ؛ لأنَّ جِلدَ المَيْتةِ نَجِسٌ، لا يَجوزُ بَيعُه، وقَد خَرجَ بمَوتِه عن كَونِه مِلْكًا، وإنْ فعلَ فلَه أجْرُ مِثلِه أيضًا.
وَلَوِ استَأجَرَ راعيًا لِغَنَمٍ بثُلُثِ دَرِّها ونَسْلِها وصُوفِها وشَعرِها، أو نِصفِه، أو جَميعِه، لَم يَجُزْ؛ لأنَّ الأجْرَ غيرُ مَعلومٍ، ولا يَصلُحُ عِوَضًا في البَيعِ، وقالَ إسماعيلُ بنُ سَعيدٍ: سَألتُ أحمدَ عن الرجُلِ يَدفَعُ البَقَرةَ إلى الرجُلِ على أنْ يَعلِفَها ويَتحَفَّظَها، وما وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ بَينَهما، فقالَ: أكرَهُ ذلك، وبِه قالَ أبو أيُّوبَ، وأبو خَيثَمةَ، قالَ ابنُ قُدامةَ: ولا أعلَمُ فيه مُخالِفًا؛ وذلك لأنَّ العِوَضَ مَجهولٌ مَعدومٌ، ولا يَدري أيُوجَدُ أم لا، والأصْلُ عَدَمُه، ولا يَصلُحُ أنْ يَكونَ ثَمنًا؛ فإنْ قيلَ: فقَد جَوَّزتُم دَفعَ الدَّابَّةِ إلى مَنْ يَعمَلُ عليها بنِصفِ رِبْحِها، قُلْنا: