للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو قولُ أبي يُوسفَ، ومُحمَّدٍ؛ لِجَهالةِ الأُجرةِ، وهي الطَّعامُ والكِسوةُ، إلَّا أنَّ أبا حَنيفَةَ استَحسَنَ الجَوازَ بالنَّصِّ، وهو قولُ اللهِ : ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، من غيرِ فَصلٍ بينَ ما إذا كانَتِ الوالِدةُ مَنكوحةً أو مُطلَّقةً، وقولُه : ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، أي: الرِّزقُ والكِسوةُ، وذلك يَكونُ بعدَ مَوتِ المَولودِ، وفي قَولِه تَعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] نَفَى اللهُ الجُناحَ عن الاستِرضاعِ مُطلَقًا.

وَقولُهُما: الأُجرةُ مَجهولةٌ، مُسلَّمٌ به، لَكنَّ الجَهالةَ لا تَمنَعُ صِحَّةَ العَقدِ لِعَينِها، بَلْ لِإفضائِها إلى المُنازَعةِ، وجَهالةُ الأُجرةِ في هذا البابِ لا تُفضي إلى المُنازَعةِ؛ لأنَّ العادةَ جَرَتْ بالمُسامَحةِ مع الأظآرِ، والتَّوسيعِ عليهِنَّ؛ شَفَقةً على الأولادِ، فأشبَهَتْ جَهالةَ القَفيزِ مِنْ الصُّبرةِ.

وَلَوِ استَأجَرَ دارًا بأُجرةٍ مَعلومةٍ وشرطَ المُؤجِّرُ تَطيينَ الدَّارِ ومَرَمَّتَها، أو تَعليقَ بابٍ عليها، أو إدخالَ جِذعٍ في سَقْفِها على المُستَأجِرِ؛ فالإجارةُ فاسِدةٌ؛ لأنَّ المَشروطَ يَصيرُ أُجرةً، وهو مَجهولٌ؛ فتَصيرُ الأُجرةُ مَجهولةً.

وَكَذا إذا آجَرَ أرضًا وشَرطَ كَرْيَ نَهَرِها، أو حَفرَ بِئرِها، أو ضَرْبَ مُسنَّاةٍ عليها؛ لأنَّ ذلك كلَّه على المُؤاجِرِ، فإذا شرطَ على المُستَأجِرِ فقَد جعلَه أُجرةً، وهو مَجهولٌ؛ فصارَتِ الأُجرةُ مَجهولةً (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٣، ١٧٤)، و «الاختيار» (٣/ ٦١)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٢٢، ٣٢٣)، و «اللباب» (١/ ٤٧٢)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ١٠٥)، و «العناية» (١٢/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>