فيها، والنَّظَرُ في دَفتَرِ الآخرينَ مُباحٌ مِنْ غيرِ أجْرٍ، فصارَ كَما لَوِ استَأجَرَ ظِلَّ حائِطٍ في خارِجِ دارِه لِيَقعُدَ فيه.
وَلَوِ استَأجَرَ شَيئًا مِنْ الكُتُبِ لِيَقرَأَ، فقَرَأ، فلا أجْرَ عليه؛ لِانعِدامِ عَقدِ المُعاوَضةِ، وعَلَى هذا أيضًا تَخرُجُ إجارةُ الآجامِ لِلسَّمَكِ والقَصَبِ، وإجارةُ المَراعي لِلكَلَأِ وسائِرِ الأعيانِ المُباحةِ غيرُ جائِزةٍ لِمَا بيَّنَّا (١).
وَذَهَبَ بَعضُ الشافِعيَّةِ وبَعضُ الحَنفيَّةِ والمَروَزيُّ وشَيخَا الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وابنُ القيِّمِ مِنْ الحَنابِلةِ إلى أنَّ المَعقودَ عليه في الإجارةِ العَينُ المُستَأجَرةُ؛ لِيَستَوفيَ مِنها المَنفَعةَ؛ لأنَّ المَنافِعَ مَعدومةٌ، ولأنَّ العَقدَ يُضافُ إلَيه؛ فيَقولُ: أجَّرْتُكَ داري، كَما يَقولُ: بِعتُكَها.
قالَ شَيخَا الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وابنُ القيِّمِ: إنَّ الأصلَ الذي سارَ عليه الفُقهاءُ، وَهو أنَّ المُستَحقَّ بعَقدِ الإجارةِ إنَّما هو المَنافِعُ، لا الأعيانُ، أصْلٌ فاسِدٌ، لَم يَدلَّ عليه كِتابٌ ولا سُنَّةٌ ولا إجماعٌ ولا قياسٌ صَحيحٌ؛ بَلِ الذي دَلَّتْ عليه الأُصولُ أنَّ الأعيانَ التي تَحدُثُ شَيئًا فشَيئًا، مع بَقاءِ أصلِها، حُكمُها حُكم المَنافِعِ؛ كالثَّمرِ في الشَّجرِ، واللَّبنِ في الحَيَوانِ، والماءِ في البِئرِ، ولِهَذا سُوِّيَ بينَ النَّوعَيْنِ في الوَقفِ، فإنَّ الوَقفَ تَحبيسُ الأصلِ، وتَسبيلُ الفائِدةِ، فكَما يَجوزُ أنْ تَكونَ فائِدةُ الوَقفِ مَنفَعةً، كالسُّكنَى، وأنْ تَكونَ ثَمرةً، وأنْ تَكونَ لَبنًا، كَوَقفِ الماشيةِ للِانتِفاعِ بلَبنِها، وكذلك في بابِ التَّبرُّعاتِ؛ كالعاريةِ لِمَنْ يَنتفِعُ بالمَتاعِ ثم يَرُدُّه، والعاريةِ لِمَنْ يَأكُلُ ثَمرَ
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٥، ١٧٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute