للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّجرةِ ثم يَرُدُّها، والمَنيحةِ لِمَنْ يَشرَبُ لَبنَ الشَّاةِ ثم يَرُدُّها، والقَرضِ لِمَنْ يَنتفِعُ بالدَّراهِمِ ثم يَرُدُّ بَدَلَها، القائِمَ مَقامَ عَينِها، فكذلك في الإجارةِ تارةً يُكريه العَينَ لِلمَنفَعةِ التي لَيسَتْ أعيانًا، وتارةً لِلعَينِ التي تَحدُثُ شَيئًا مِنْ بَعدِ شَيءٍ، مع بَقاءِ الأصْلِ؛ كَلَبنِ الظِّئرِ، ونَفعِ البِئرِ؛ فإنَّ هذه الأعيانَ لَمَّا كانَتْ تَحدُثُ شَيئًا بعدَ شَيءٍ مع بَقاءِ الأصْلِ كانَتْ كالمَنفَعةِ، والمُسوِّغُ لِلإجارةِ هو ما بَينَهما مِنْ القَدْرِ المُشتَرِكِ، وهو حُدوثُ المَقصودِ بالعَقدِ شَيئًا فشَيئًا، سَواءٌ كانَ الحادِثُ عَينًا، أو مَنفَعةً، وكَونُه جِسمًا أو مَعنًى قائِمًا بالجِسمِ، لا أثَرَ له في الجَوازِ والمَنعِ، مع اشتِراكِهِما في المُقتَضِي لِلجَوازِ، بَلْ هذا النَّوعُ مِنْ الأعيانِ الحادِثةِ شَيئًا فشَيئًا أحَقُّ بالجَوازِ؛ فإنَّ الأجسامَ أكَمُلَ مِنْ صِفاتِها، وطَرْدُ هذا القياسِ جَوازُ إجارةِ الحَيَوانِ غيرِ الآدَميِّ لِرَضاعِه؛ فإنَّ الحاجةَ تَدعو إلَيه، كَما تَدعو إليه في الظِّئرِ مِنْ بَناتِ آدَمَ بطَعامِها، وكِسوَتِها، ويَجوزُ استِئجارُ الظِّئرِ مِنْ البَهائِمِ بعَلَفِها، والماشيةِ إذا عاوَضَ على لَبنِها، فهو نَوعانِ:

أحَدُهما: أنْ يُشترَى اللَّبنُ مدَّةً ويَكونَ العَلَفُ والخِدمةُ على البائِعِ، فهذا بَيعٌ مَحْضٌ.

والآخَرُ: أنْ يُسَلِّمَها ويَكونَ عَلَفُها وخِدمَتُها عليه، ولَبنُها له مدَّةَ الإجارةِ؛ فهذا إجارةٌ، وهو كَضَمانِ البُستانِ سَواءٌ، وكالظِّئرِ؛ فإنَّ اللَّبنَ يُستَوْفَى شَيئًا فشَيئًا مع بَقاءِ الأصْلِ، فهو كاستِئجارِ العَينِ؛ لِيَسقيَ بها أرضَه، وقَد نَصَّ مالِكٌ على جَوازِ إجارةِ الحَيَوانِ مدَّةً لِلَبنِه، ثم مِنْ أصحابِه مَنْ جَوَّزَ ذلك تَبَعًا لِنَصِّه، ومِنهم مَنْ مَنَعَه، ومِنهم مَنْ شرطَ فيه شُروطًا ضَيَّقوا

<<  <  ج: ص:  >  >>